مصر الكبرى

08:28 صباحًا EET

التوكتوك والمانجو والفانلة والمادة 46

أتحفتنا اللجنة المبجلة التي تشرف على وضع دستور مصر بمقترح المادة 46 ونصها المؤقت:
"الرموز الوطنية المعنوية واجبة التوقير والاحترام، ويحظر ازدرائها وفقاٌ للقانون"
ولأن نص المادة مثله مثل كثير من مفردات الحياة السياسية في مصر فقد شابهه الكثير من الغموض وعدم الوضوح والمطاطية المقصودة بحيث يسهل تطويع القوانين التي ستترتب على هذا النص الدستوري حسبما يتراءى للمشرع وعلى حسب مزاجه.

ونلاحظ أن المادة تتحدث عن الرموز وليس الشخصيات مثلا وتحديد مناصبها او صفاتها او شخوصها. ما المقصود بالرموز على وجه التحديد؟ أفهم ان تكون هناك مادة ضد ازدراء الاديان لكن ما هي الرموز؟ وما معنى أن تكون معنوية؟
هل يرى الأخوة في التيار الديني أن الهرم ومعبد الكرنك رموزا؟ طب ماذا عن ماعت روح العدالة وماذا عن الامثال الشعبية والعادات والتقاليد والأغاني ومرثيات الندابين هل هي رموز معنوية؟ هل يتفق هؤلاء مع كون الكنيسة واللغة القبطية ومفردات المسيحية المصرية رموزا وطنية؟ وبالعكس هل يرتضي الليبراليون المصريون أن يكون أيمن الظواهري او عمر عبد الرحمن أو حتى حسن البنا رمزا؟ ماذا عن جماعات الجهاد والتكفير والهجرة والقاعدة وهي بلا شك رموز عظيمة من وجهة نظر البعض.
وأتمنى على السادة ممن صاغوا المادة 46 أن يقولوا لنا من هم وما هي الرموز التي يتعين علينا احترامها وتوقيرها وعدم التعرض لها. وبالنظر الى مفردات الحياة السياسية المصرية في العهد الجديد فقد وجدت عددا من الرموز التي يمكن لنا اعتبارها أمورا لا يجوز المساس بها. وعليه فمن هنا نبدأ ونطرح قائمة لنحدد رموزنا الوطنية ونقطع يد ولسان ونجدع انف من يسيء إليها.
ان التوكتوك على سبيل المثال أحد هذه العلامات الأهم في مصر الجديدة ورغم أن عمر التوكتوك في مصر سنوات طوال فاننا لا ننسى أن الرئيس مرسي قد أفرد للتوكتوك وسائقيه تحية خاصة في أول خطاب وجهه للشعب المصري بعد تنصيبه رئيسا. ولان الرئيس في هذا الخطاب لم يوجه رسالة مماثلة للعاملين بقطاع السياحة أو المثقفين والروائيين والكتاب، فانه يمكن قطعا وضع التوكتوك كرمز قومي مصري بشهادة أعلى سلطة سياسية في البلاد. فالمثقفين الذين تجاهلهم الرئيس يدور خلاف حول أهمية بعضهم وشيطنة البعض الآخر. فنجيب محفوظ والذي تعرض لمحاولة اغتيال قذرة في عام 1994 لا يوجد حوله اجماع وطني كأحد هذه الرموز وهو في نظر الكثيرين اديب الانحلال، ولأن البرادعي عميل وعبد الناصر طاغية الستينيات ومجدي يعقوب ذمي وسميرة موسى متبرجة الى آخره يظل التوكتوك ملجأ آمنا ورمزا لا يختلف عليه المصريون ويحظى برعاية مؤسسة الرئاسة نفسها.
ماذا عن المانجو.. لقد بشرنا السيد الرئيس بأن النهضة قد بدأت تؤتي ثمارها وأن سعر المانجو قد رخص حتى أن عموم المصريين قد أصبحوا قادرين على شرائه. ولأن المانجو كالماء والهواء بالنسبة المصريين فأنا أقترح أن يطرح اسمه على قائمة الرموز الوطنية. وأعترض بشدة على طرح اسم القمح الذي يموت المصريون من أجله في طوابير الخبز كرمز وطني لأنه مش مهم والأزمة بسيطة وبكره نلاقي له بديل. وليس الفول بالطبع والذي أصبح سعر الكيلوجرام منه قرابة العشرة جنيهات كما أنه مسئول عن حالة التبلد التي أصبحت لدى عموم المصريين وهم يشاهدون هذا القدر من الاستخفاف بعقولهم والاستهزاء بمعاناتهم على شاشات التليفزيون المصري دون أن يحركوا ساكنا. نعم يا سادة فتوافر المانجو ورخص سعره أمر مبشر وفاتحة خير على الاقتصاد المصري لا شك. لكن احذروا الفتنة حول المانجو كرمز وطني فالبعض يفضل الفونس او العويس أو الفص والبعض يأكل المانجو بينما يشربه البعض الآخر عصيرا. ومن المهم أن نطرح نقاشا مجتمعيا جادا وتفصيليا حول الطريقة التي سيقولب بها المانجو ويحفظ كرمز وطني لا يقل أهمية عن حورس وزهرة اللوتس.
ولأننا مازلنا ندور حول نقاط التوافق الوطني وننأى بأنفسنا عن همزات ولمزات الرموز غير المتفق عليها، فإنني أرجو من طوائف الشعب المختلفة النظر بعين الاعتبار الى الفانلة القطنية المصرية الشهيرة والتي رأى فيها سيادة رئيس وزراء العهد الجديد حلا ناجعا لمشكلة تكرار انقطاع التيار الكهربائي. فالفانلة يا سادة هي الحل وهي رمز لرحرحة المواطن وتخلصه من قيود الديكتاتورية. والدليل على ذلك أن العديد من العمال والاداريين من مختلف قطاعات الدولة والمعتصمين حاليا في شوارع القاهرة والاسكندرية يتظاهرون بفانلاتهم علامة على سعادتهم بالنهضة والخير العظيم الذي جلبته الى مصر ويتفاخرون في الشوارع والميادين بفانلاتهم الداخلية تحت سمع وبصر وكالات الانباء العالمية مما يمكن اعتباره ترويجا عظيما ودفعة هائلة ااقطن المصري الشهير اللي بطلنا نزرعه اصلا. وبذا تكون الفانلة قد اكتسبت عن جدارة موقعها ضمن الرموز الوطنية التي لا جدال عليها. فكما حمت الفانلة المصريين من الاختناق بالحر والصيام دون مروحة (رغم أن عندهم 6 و7 تكييفات في البيت بحسب الدكتور قنديل) تمكنت الفانلة أيضا من قيادة الاعتصامات والتظاهرات التي يطالب من خلالها الشقيانين في مصر بحقوقهم التي غابت ويبدو انها ستختفي تماما في ظل العهد الجديد المديد بإذن الله. لكن الفانلة تقلقني ايضا لانه ممكن اعتبارها رمزا موسميا، يعني محظور اهانتها في الصيف ويجوز ذلك في الشتاء كما أن الفانلة ستواجهها عقبة دستورية لأن ارتداءها قاصر على الرجال دون النساء وهو ما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص الذي حرصت عليه كل دساتير مصر.
ان نقاشا مجتمعيا جادا حول معنى المادة 46 والقانون المترتب عليها ولائحته التنفيذية امرا يستوجب منا الالتفات والتوافق الوطني.. ما هي الرموز ومن بيده اعتبار أمر أو شخص او شيء أو فكرة رمزا وطنيا ثابتا لا يجوز المساس به. ولأن رئيسنا منتخب ويعبر عن الارادة الشعبية أقترح ان نستلهم من حواراته وخطبه رمزين هما التوكتوك والمانجو ونستلهم أيضا من أفكار السيد رئيس الوزراء الملابس القطنية وخاصة الفانلة. وبذلك نكون قد وضعنا أول ثلاثة رموز على القائمة ونحن متاكدون كل التأكيد انها ستكون رمزا للتوافق الوطني والاجماع الشعبي .
صبرا جميلا والله المستعان

التعليقات