كتاب 11

09:41 صباحًا EET

يد من حديد ويد من حرير

خلف الحكايات دائماً تختبئ بعض الخيوط التي لا يتوقف عندها الكثيرون، أو لا ينتبهون إليها لأنها “تفصيل صغير” على هامش الحكاية الكبرى . لكن بعض تلك التفاصيل يوازي الحدث أهمية، ويعني الكثير ليس للأفراد فقط وإنما للمجتمع .

ليست كل الأمهات صالحات ولا كلهن يعرفن قيمة هذه النعمة . فمنهن من تعيش عمرها كله لنفسها، تريد أن ترضي غرورها وأهواءها، مهملة بيتها وأولادها . ومنهن من تقبض على القسوة بكل إرادتها، فتتمسك بها لاغية من قاموسها كل معاني الحنان والعواطف وكأنها تهمة ترفضها . ومنهن من لا تعرف كيف تربي أبناءها، وتعيش في صراع دائم لأنها لم تتصالح مع نفسها يوماً . فالمرأة كائن يعيش ويصارع التناقضات، مع فارق أن تلك التناقضات تنعكس سلباً على الأسرة وخصوصاً على الأطفال .

ليس مستغرباً أن تقع امرأة ضحية ظروف صعبة، ولا أن تكون هي من يرتكب جريمة بشعة . إنما في مثل هذه القصص، ترانا نبحث عن “تلك التفاصيل الصغيرة” والتي هي الأطفال، الذين يجدون أنفسهم إما خلف القضبان بلا ذنب اقترفوه، لمجرد أن يرافقوا أمهم لتربيهم، وإما “أيتام” وهي على قيد الحياة .

من تلك اللمسات الإنسانية المهمة، تستوقفنا الأجهزة الشرطية التي تتولى انتشال الأطفال من بؤر البؤس والإجرام، فتبعدهم عن العيون، وتترك رعايتهم لمراكز الدعم الاجتماعي لتكون الحضن الآمن لهم . لفتة إنسانية واجتماعية ضرورية من أجل ضمان سلامة الأطفال، وتنشئتهم بشكل صحي بعيداً عن المشاكل التي قد تعترضهم، وما قد يسمعونه من الناس بأنهم “أبناء مجرمين” .

الرضع يبقون مع أمهاتهم خلف القضبان، لكن لاحقاً يتم نقلهم إلى أحد تلك المراكز . هناك ماذا يحصل؟ كيف يعيش هؤلاء الصغار؟ وهل يدركون أن أمهاتهم وآباءهم أحياناً ما زالوا أحياء إنما في السجن؟

مهمة ليست سهلة هي تلك الملقاة على عاتق الأجهزة الأمنية والمراكز الاجتماعية، من أجل احتضان أبناء أبرياء لآباء مذنبين، ومن أجل رعايتهم ليكونوا أسوياء ويكملوا حياتهم بشكل طبيعي داخل المجتمع وبين أقربائهم أو زملائهم، خصوصاً أن البعض لا ينسى، والمشاكل النفسية قد تطارد الصغار حتى مراحل متقدمة .

حضن آخر يقوم بتربية الأطفال حين تغيب الرعاية الأبوية والعائلية لأسباب ما، وهذا الحضن “الدافئ” هو نفسه اليد التي تقبض بكل حزم وحسم على المجرم . يد من حديد، ويد من حرير . وبين القبضتين، أطفال يتلقون الرعاية كي لا تلتصق بهم تهمة هم منها براء .

التعليقات