كتاب 11

09:41 صباحًا EET

قمة الكويت: استثنائية في تحدياتها

لعل النافذة الوحيدة للتفاؤل مع انعقاد القمة العربية في الكويت، أنها تعقد في دولة عربية تصالحية ومتوازنة في علاقاتها مع كل الدول العربية، وأن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد له حضوره القوي، وعلاقاته المتميزة مع قادة الدول العربية، وله دور تاريخي في رأب الصدع بين العديد من الدول العربية، وإجراء مصالحات .

والسؤال الذي يجول في ذهن كل المراقبين: هل تقوم الكويت بالدور التصالحي نفسه؟ لعل من مظاهر التفاؤل أن هذه القمة قد تدفع بعدد من القادة إلى الحضور، لما لهم من علاقات جيدة مع الشيخ صباح الأحمد . رغم ذلك فإن عقد هذه القمة يأتي في سياق تحديات وأخطار كبيرة تتهدد العديد من الدول العربية، وتعقد في ظل تحولات إقليمية ودولية تستهدف المنطقة العربية، وتحاول أن تستبدل بالمنظومة العربية منظومة إقليمية أوسع، تحت مسمى “الشرق الأوسط الجديد” والذي لا يكون فيه للدول العربية أي دور؟

وكعادة القمم العربية السابقة فإن التحدي الأول الذي سيواجه هذه القمة ظاهرة تغيب عدد من القادة العرب، إذ من المتوقع أن يصل عددهم هذه المرة إلى ثمانية، وهو ما يترك تأثيراً في فعالية القرارات التي تتخذ، وتراجع فرص تنقية الأجواء العربية . ومع ذلك تبقى التحديات التي تواجه مستقبل المنظومة العربية قائمة وليست قاصرة على دولة دون الأخرى . وهذه المرة التحديات أكبر، وأكثر خطورة، وتقع في قلب المنطقة العربية نفسها .

وبعيداً عن ترتيب هذه التحديات التي تتداخل وتتكامل، وكل منها قد يقود إلى التحدي الآخر، يتصدر هذه التحديات تحدي الإرهاب الذي بدأ يزحف إلى المنطقة، ليحولها إلى منطقة تأكل نفسها، وتبعدها عن كل مشاريع التطور والتنمية، وهذا التحدي لا يهدد دولة بعينها، ولكنه يمتد إلى كل الدول، وهو ما يتطلب رؤية عربية مشتركة وفعالة للتصدي له، بتضافر الجهود والإمكانات، وبوضع البرامج والخطط القابلة للتنفيذ .

والتحدي الآخر يتمثل في تحول موازين القوى وتوجهها نحو القوى الإقليمية والدولية التي تتربص بالمنطقة، وتسعى للتوغل داخلها لتفكيكها وإعادة تقسيمها، بما يتفق ومصالح الدول الإقليمية والدولية، وفي هذا السياق يبرز تحدي الملف النووي الإيراني، والتوافق الأمريكي الغربي – والإيراني على تسويته، ولا أحد ينكر المصلحة العربية في تسوية هذا الملف سلمياً، لكن السؤال على حساب من؟ والتحدي الأكبر الذي يواجه هذه القمة هو تحدي إعادة تقسيم المنطقة سياسياً بين القوى الدولية المتصارعة على المنطقة، وخصوصاً الولايات المتحدة وروسيا، حيث تسعيان إلى تسوية ملفاتهما في القرم وأوكرانيا وغيرها على حساب الملفات العربية، وخصوصاً الأزمة السورية . ومن التحديات السياسية أيضاً قضية فلسطين والمفاوضات مع “إسرائيل”، فلا يعقل أن يترك المفاوض الفلسطيني وحيداً، فالقضية الفلسطينية تبقى قضية أمن عربي، وأي تسوية سياسية ستترتب عليها تداعيات تطول كل الدول العربية، وتمسّ جوهر الأمن القومي العربي الذي يمثل بدوره تحدياً رئيساً، وهذه قضية تستدعي إحياء دور مجلس الدفاع العربي المشترك، وتطوير العمل العسكري العربي المباشر، حتى تكون الجامعة العربية قادرة على مواجهة التحديات الأمنية الخارجية، ومحاولات الدول الإقليمية والدولية الساعية للسيطرة على موارد المنطقة ومنافذها الاستراتيجية .

والتحدي الأكبر الذي يواجه القمة هو تحدي الخلافات الخليجية – الخليجية، ومحاولة قطر الابتعاد عن إطار العمل الخليجي، ما يهدد مستقبل مجلس التعاون الخليجي، الذي يمثل نواة صلبة للعمل العربي المشترك .

هذه بعض التحديات الملحّة التي تفرض نفسها على أجندة هذه القمة، وإلى جانب هذه التحديات هناك العديد من الملفات التي تعرض مع كل قمة عربية، مثل تطوير الجامعة العربية والدفع بها خطوة أكثر نحو التكامل العربي، وملف إنشاء محكمة عدل عربية، والملفات الاقتصادية والاجتماعية التي تهم المواطن العربي، الذي فقد ثقته بالقمم العربية، كما فقد ثقته بفعالية الجامعة، ودورها في مواجهة التغلغل الخارجي إلى قلب المنظومة العربية .

استعادة هذه الثقة تحتاج إلى أن تحظى بأولوية من القادة العرب، لأن أساس أي عمل عربي مشترك ناجح هو توفر القاعدة الجماهيرية العربية التي تؤمن بانتمائها لأمتها العربية، بدلاً من الانتماء القطري أو التنظيمي .

وأخيراً الحاجة إلى رؤية استراتيجية عربية شاملة للنهوض بالأمة العربية كي تأخذ دورها في عالم تحكمه القوة .

التعليقات