كتاب 11

08:25 صباحًا EET

وأخيراً ظهر فيديو كونداليزا

قد يمكن حجب الأدلة الصلبة والحقائق الناطقة التي تقطع الشك باليقين لزمن طويل، ولكنها لن تلبث أن تظهر في يوما ما . ودليلنا الذي تحدث عن نفسه كان من المفترض أن يكون متداولاً منذ زمن خاصة وأننا نعيش عصر “اليوتيوب” وتسريباته المتدفقة أبداً .

هنالك حلقة مفقودة بالفعل، أو بالأحرى غير مرئية أو ظاهرة، ولكنها كانت تفرض وجودها عقلاً ومنطقاً واستنتاجاً علمياً . وهذه الحلقة هي العلاقة بين الحرب على العراق واحتلاله والفصل التاريخي الذي يمثله “الربيع العربي” بما يمثله من آثار مدمرة في بلدان عربية عدة لا تقل عن آثار حرب العراق، فيما يمثل مؤامرة كبرى على العرب لايزال بعضهم ينكر وجودها .

ماذا كانت الاستراتيجية الأمريكية على حقيقتها بعد احتلال العراق وإسقاط نظام الحكم فيه بالنسبة لباقي الأنظمة العربية؟ وماهي أدوات هذه الاستراتيجية؟ وبافتراض كونها محلية ومن عمق المجتمعات العربية ذاتها: كيف تم إعدادها وتأهيلها ذهنياً وايديولوجياً ومعرفياً وعلى مستوى أساليب التواصل الاجتماعي أو تكنولوجيا المعلومات، وكل ذلك لإحداث التغيير المراد أو الفوضى الدموية وانهيار لحمة المجتمعات العربية .

هنالك أيضاً الفجوة المعرفية حول الدليل الملموس على الدعم الأمريكي والغربي لشريحة صغيرة، ولكنها مؤثرة من الشبان والمثقفين الذين يدينون بالولاء في أنشطتهم ووجودهم التنظيمي للدعم الخارجي ويعملون في مجتمعاتهم ضمن سياق سياسي وفكري أساسه “الايمان” بالقيم السياسية الأمريكية ومضامين الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فيها .
كل ما كان متداولاً حول التسلل التاريخي بعد غزو العراق فيما قاد بعد ذلك إلى “الربيع العربي” بقي أنصاف حقائق واستنتاجات منطقية، حتى كان فيديو “اليوتيوب” للأم الروحية ل”الربيع العربي” تلك التي أطلقت نظرية مما سيشهده العرب في مستقبل “الفوضى الخلاقة” .

عبارات كونداليزا رايس الفصيحة والتي خانتها وعلى غير العادة الأساليب الدبلوماسية هي التي ألقت الضوء على تاريخ كان قد بقي محلاً للتوقعات وأشكال النفي ودفن الحقائق على المستويات الرسمية الغربية .

تاريخ التسجيل لحديث كونداليزا رايس وهو 26-5-2011 يكشف عن سبب إطلاق اللسان وعدم التحفظ، فاللحظة كانت لحظة انتصار المشروع بعد سقوط أنظمة عربية من مثل النظامين التونسي والمصري وظهور علامات انهيارات خطيرة في تكوين المنطقة السياسي والاجتماعي .

مناسبة الحديث كان تصدر كونداليزا رايس لمؤتمر عقده مركز جورج بوش للدراسات، حيث حضر الأخير وكذلك جيمس غلاسمان وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الدبلوماسية العامة . يبدأ أحمد صلاح مؤسس “حركة 6 إبريل” في مصر الحديث بالقول إنه يستشعر الشرف العظيم لوجوده في الاجتماع، كما يؤكد الامتنان للمساعدة الأمريكية على تأسيس الحركة في عامي 2004 و2005 . ويبدأ بعد ذلك بسؤال مباشر حول “خذلان” الإدارة الأمريكية للناشطين، وكيف كان الأمر صعباً عليهم بعد دخول السجون المصرية، في حين أنهم كانوا يتوقعون التغيير واتجاه الواقع السياسي المصري إلى “الأحسن” .

يوجه أحمد صلاح سؤاله مباشرة إلى كونداليزا رايس: “لماذا خذلتمونا في ذلك الوقت في حين كانت لدينا آمال عظيمة وكنا في طريقنا ل”تحرير” مصر وبلدان عربية أخرى في تلك الفترة (يذكر عام 2005)؟” .

ترد كونداليزا رايس: “إن كنا قد خذلناكم فإن ذلك ليس بسبب التقصير في الجهد وإنما لأن الولايات المتحدة ليست دائماً قادرة في الحال على الدفع بالأمور في الاتجاه الذي تريده . في العراق حيث أسقطنا صدام حسين كانت لدينا وسائل مباشرة للدفع باتجاه الديمقراطية، أما في البلدان الأخرى فليس لدينا تلك الآليات المباشرة، والقصد بالوسائل المباشرة هو الغزو والاحتلال بالطبع، أما الاستراتيجيات غير المباشرة لتغيير الأنظمة العربية بعد سقوط نظام صدام حسين فقد ذكرت منها أولاً: التأكيد على القيم (الديمقراطية) والإصرار على الضغط من خلالها . وثانيا: ودون مواربة، ذكرت المساعدات المالية للمنظمات حيث أكدت أن نصف تلك المساعدات كانت تذهب في مصر، مثلاً إلى منظمات غير مسجلة حكومياً، ما فسرته أنه صفعة لحكومة مبارك .

قالت إن أدوات عديدة قد استخدمت لتغيير الأوضاع واعترفت بأن سبب عدم زيارة مبارك لأمريكا منذ عام 2004 يعود إلى طريقة “تعاملنا مع الثورة المصرية”، أي وهي في مرحلة الصناعة . لقد ختمت الإجابة عن سؤال أحمد صلاح بالقول إنها طالما تساءلت هي والرئيس بوش “إن كانا يقومان بما يكفي عمله” بخصوص التغيير في المنطقة العربية . ووجهت الحديث إلى صلاح: “إن كنا فشلنا أو تخاذلنا في وقت من الأوقات فيكفي أننا وضعنا الأساس لأشخاص مثلك”!

فأي إنصاف أو انتصار سيمثله فيديو كونداليزا على رؤية أو تمثيل وتوصيف للواقع السياسي العربي دأب على نفي المؤامرة الغربية على المنطقة العربية، وأي معنى بعد تركه فيديو كونداليزا ل “الثورة” بعد صناعتها وصناعة من قاموا بها؟ 

التعليقات