كتاب 11

09:30 صباحًا EET

الإمارات ومصر . . إحياء لمفاهيم عربية مشتركة

لعل من أبرز التداعيات الإيجابية للتحولات العربية، وللثورة في مصر، العودة للتأكيد على البعد العربي في العلاقات العربية العربية، وهذا ما أكدت وحرصت عليه دولة الإمارات في انفتاحها على ثورة مصر . ونحن هنا أمام نموذج جديد للعلاقات العربية يصلح لأن يكون أساساً لإحياء مفاهيم العمل العربى المشترك، وهو نموذج يقوم على العلاقة المتوازنة بين دولة الإمارات المؤثرة في محيطها العربي والخليجي والدولي والتي تقوم سياستها على التوازن والتكامل مع دور الدولة المركزية والمحورية في المنظومة العربية، وهي مصر . هذه العلاقة لا تقتصر على العلاقة مع مصر، بل مع غيرها من الدول، فهى لا تنتهج كما غيرها من الدول سياسة مناوئة أو منافسة مثلاً، بل دولة تعرف حدود دورها، وأبعاده، وأولوياته، في إطار من الكل .

هذه السياسة تترجم في العديد من القرارات والسياسات التي تقوم عليها السياسة الخارجية لدولة الإمارات، حتى في علاقاتها مع إيران على الرغم من احتلال الأخيرة جزرها الثلاث، إذ لم تقم هذه السياسة على النفور والصدام، بل أخذت مسار الحوار، وتثبيت الشرعية الدولية لهذه الجزر .

دولة تنأى بنفسها عن سياسات المحاور والأحلاف والحروب والتدخلات في شؤون الدول الأخرى، وترفض أن تلعب أدواراً بالوكالة كما تفعل العديد من الدول .

إن دولة الإمارات تقدم نموذج القدوة في سياستها العربية والإقليمية والدولية وفي هذا السياق يمكن فهم العلاقات بين الإمارات ومصر، ولا يمكن تفسير هذه العلاقة كما يحلو للبعض تقزيمها واختزالها في إطار مصلحة مشتركة ضيقة، أو حصرها بموضوع الإخوان المسلمين وخسارتهم الحكم في مصر، أو فقط بموضوع التصدي للإرهاب الذي يعرض أمن الإمارات ومصر وكل الدول العربية للخطر . العلاقات أكبر من هذه القضايا، ولا بد من وضعها في السياق العام، وفي إطار الثوابت والمبادئ العامة والثابتة التي تقوم عليها سياسة مصر، وربط ذلك بتوجهات التحولات السياسية التي تقودها مصر، وما تمثله من مشروع قومي عربي جديد، يعطي أولوية بل استعادة للبعد العروبي في السياسة المصرية، ومن ثم إحياء المشروع العربي في مواجهة المشاريع التي تستهدف عروبة المنطقة، وهوية الدول العربية . هذا ما ينبغي أن تدركه كل الدول العربية، وتعمل على تفعيله في سياساتها .

في هذا السياق يمكن فهم المناورة المشتركة بين جيشي الدولتين، فالهدف من المناورة هو إحياء وتفعيل العمل العربي المشترك .

وأكبر الدلالات السياسية العميقة لهذه المناورة التأكيد من جديد على مفهوم الأمن العربي ببعده القومي، وهو المفهوم الذي بدأ يخبو في أعقاب التحولات التي شهدتها الدول العربية، وبدأنا نسمع من خلالها مفاهيم أخرى تتصادم مع مفهوم الأمن القومي العربي، والدلالة الثانية توحيد العقيدة العسكرية التي تعتبر من أهم أسس وركائز الأمن العربي . والدلالة الثالثة رسالة لكل من يهدف لضرب هذا المشروع العربي الذي يعتبر رداً على المشاريع الإقليمية والدولية التي تستهدف الأمة العربية .

هذا الإدراك هو الذي أسس له مؤسس هذه الدولة الشيخ زايد رحمه الله، ويذكرنا بالدور الكبير الذي لعبه في عودة الجامعة العربية إلى مقرها في القاهرة في أعقاب تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية إثر توقيع اتفاقات كامب ديفيد . هذا الإدراك هو الذي قامت دولة الإمارات من جديد بإحيائه، وهذا ما عبرت عنه الدولة عبر العديد من الوسائل والآليات بالتأكيد على أهمية هذا العمق في زمن التحولات الجارية . والموقف الآخر الذي يحكم عمق هذه العلاقات هو مبادرة دولة الإمارات إلى إعطاء دورها في عقد القمة العربية القادمة لمصر، وهو ما يؤكد أهمية استعادة دور مصر العروبي، ودلالاته السياسية تدعم التوجهات الثابتة في سياسة دولة الإمارات التي تقوم على أن العروبة لها أولوية في هذه السياسة .

في هذا السياق العام والشامل يمكن فهم العلاقات بين مصر ودولة الإمارات، ومن الخطأ الجسيم اختزالها في مساعدات، أو مواقف تأييد سياسية، بقدر ما ترتبط بأمن وبقاء مشترك، وبأدوار تكمل بعضها بعضاً وصولاً لمنظومة عربية جديدة تشكل علاقة الإمارات بمصر نموذجاً لها .

التعليقات