كتاب 11

09:12 صباحًا EET

ما لن تقوله “الجزيرة”

في غمرة التعجل والاندفاع الناتج عن نشوة النصر وقتها، وذلك الشعور الملح بنسبة الأحداث إلى الداعم الأول والأهم بل والمخطط الكوني ومقرر مسارات حياة الشعوب ذلك الذي تنطق به كوندوليزا رايس باسمه، أدلت بإقرار تاريخي بحلقة الوصل بين احتلال العراق والربيع العربي الذي تلا ذلك الاحتلال، وذلك في حديثها المسجل في مايو/أيار من عام 2011 الذي ظهر مؤخراً فقط على “اليوتيوب” .

لم تتحدث عن المال الأمريكي ودوره في “صناعة” الثورة في مصر فحسب، بل أيضاً عن الأهم وهو الصناعة الأمريكية للرجال والشبان والشابات، وذلك في حوارها مع الفتى المدلل أحمد صلاح الذي أخذ حقه كاملاً في عتاب الإدارة التي تمثلها كوندوليزا رايس . أفلم تقدم تلك الإفادة السياسية الثمينة القيمة لتطييب خاطره؟ كم من أحمد صلاح من المحيط إلى الخليج تمت تربيتهم ذهنياً وايديولوجياً على الثقة المطلقة في القدرة الأمريكية على إحداث التغيير السياسي “الإيجابي” الذي يتناغم مع متطلبات الشباب العربي وما يطمحون إليه في بلدانهم، كم من مثل أولئك الذين ذكرت قصصهم في مصر وتونس وكانوا من الدلال على القلب الغربي بحيث افتتحت بأسمائهم مراكز بحوث ودراسات وأنشطة متعددة الأوجه؟ وكم تبلغ أعداد أولئك الذين تتكرر وتتشابه برامج زياراتهم ومقابلاتهم لأكبر مسؤولي الإدارة الأمريكية وأهم الأسماء في عالم الإعلام والتدريب (الديمقراطي) والميديا الاجتماعية؟
لقد اقتضت صناعة الرجال زيارات مطولة وجلسات محددة الأهداف وكانت النتيجة أن هؤلاء العائدين لأوطانهم برؤى مختلفة يحاطون بحصانة غير عادية ويشتغلون براحتهم ولايزالون يفعلون بكل قوة عين .

وإن كان هؤلاء موجودون ويؤدون أدوارهم بعد أن أنتجتهم تلك الصناعة التي كانت المرحلة الثانية من حرب العراق، فإن السؤال الذي لن نحتار في الإجابة عنه هو: هل كان أمثال هؤلاء قادرين بالفعل على إشعال الثورات كما حدثت في مصر وتونس وليبيا؟ وبمعنى آخر، وإذا كنا نحاول فهم التحول الانقلابي الخبيث في ضوء اعتراف كوندوليزا، في قبول قطاع من الشباب العربي للأبوية الأمريكية في التغيير السياسي في بلداننا وفهم تبعية مئات الألوف من المتدينين لقادة يوالون الخارج، فإن السؤال هو: هل كان المال الأمريكي الذي تم صرفه بغزارة على منظمات المجتمع المدني، وكذلك تلك الفئة المصنعة أمريكياً كافيين لإسقاط الأنظمة أم أن حلقة أخرى تبحث عن الكشف الدقيق وهي المرتكز “المحلي” أو الإقليمي الذي لا شك أنه كان الرديف الحاسم والذي كان يلعب دوره ضمن بعد زمني كافٍ للوصول إلى النتيجة التي تعيشها المجتمعات العربية في تفككها الداخلي وتناحرها وغياب الهدف العام واشتعال الحروب وضياع الوزن للعرب بشكل تام .

ليس صعباً معرفة أن ذلك الرديف قد تمثل اسمياً في “قناة الجزيرة” التي لم تلعب دور المنبر الإعلامي فحسب، بل قامت بدور تغيير حيوي وفاعل في محيطها بما تكشف للجميع أنه دور تقسيمي ونفخ في نار الحروب والفوضى المجتمعية والسياسية .

لابد لنا من عين فاحصة أخرى لدور الجزيرة الحقيقي في توجيه مسارات الأحداث بما كان يشعل ويعجل بصناعة الخلاصات المرغوبة غربياً على مستوى التغيير السياسي، إذ لا شك أن هنالك دراما إعلامية كانت تقود الأحداث السياسية على شاكلتها، نظراً لما كانت قد اكتسبته القناة
من مصداقية وثقة وقوة تأثير قبل أن تخسر هذا كله فيما بعد .

ألم تكن الجزيرة هي الوكيل الحصري لثورات الربيع والناطق باسمها؟ ألم يكن عزمي بشارة هو فيلسوف تلك الثورات ومنظرها ومحللها اليومي بالموقع الوظيفي الذي يحتله رسمياً في القناة وفي المسؤولية الاستشارية للحكومة القطرية .

هنالك وظيفة محددة للمنظومة البحثية التي ظهرت في قطر في السنوات الأخيرة والتي يحتل بشارة جزءاً من تكوينها المتعدد والمتشكل من هيئات أجنبية، وهذه الوظيفة ليست تحليل ومتابعة ما يحدث في المنطقة بقدر ما هي أساساً صناعة ذلك الذي سيحدث، وذلك بالتجاور والتناغم مع الذراع الإعلامية المسلطة على الذهن العربي أو ما كان كذلك، أي “الجزيرة” .

في وكالتها عن الثورات الربيعية أو البرتقالية ونطقها باسمها، لم تقل “الجزيرة” كلمة واحدة عن الدور الأمريكي والغربي في صناعة هذه الثورات . تلك صفحة لن تفتحها لأنها بلا شك معنية بها، فهي ذلك المرتكز الإقليمي الذي لم يكن العرب ليسقطوا في الفوضى وبحور الدماء، من دون دوره الأساسي .

 

التعليقات