مصر الكبرى

08:15 صباحًا EET

التصوير الحرام

كنت في الطريق الى عملي بمدينة الاسكندرية العامرة يوم الاثنين الماضي وعندما وصلت الى منطقة ميامي فوجئت بالازدحام الشديد وسيارات المطافيء والدفاع المدني والاسعاف في كل مكان.

لم أدرك ما يحدث وتخيلت أن محطة البنزين المتواجدة بالشارع الرئيسي قد تعرضت لمشكلة الا انني عرفت أن مطعما شعبيا صغيرا تعرض لعدة انفجارات متتالية منذ العاشرة صباحا بسبب تخزينه لعدد كبير من أنابيب البوتاجاز رغم أن امدادت الغاز الطبيعي متواجدة لديه ومنذ سنوات عدة.
لاحظت ازدحاما شديدا على باب موقع الحادث ورأيت عشرات الأشخاص يقفون أمام الباب وقلت في نفسي أن الشهامة أمر متجذر في الشعب المصري وأنه لا شك في أن النية الطيبة والرغبة في المساعدة هي التي تجعل كل هؤلاء يتجمهرون أمام موقع الكارثة رغبة في مساعدة رجال الإطفاء والإسعاف.
والتقيت في تلك اللحظة بشاب خلوق أعرفه من أهل المنطقة ويمتلك محل حلواني مجاور للمطعم المنكوب ورأيت الفتى الطيب منزعجا بشدة ويشتم ويسب رغم أن ذلك ليس من شيمه وعندما سألته اتضح لي السبب.
كان الفتى منزعجا بشدة لأن أكثر من نصف المتجمهرين هناك أمام الحادث يستخدمون تليفوناتهم المحمولة لتصوير الحدث. وقال لي أنهم يزاحمون رجال الاسعاف والمطافيء وبعضهم ينحني على المصابين والضحايا ليلتقط صورا قريبة ويريها لمن حوله بفخر ثم يجري بسرعة الى بقعة أقرب تمكنه من التقاط صورا أفضل واوضح، حتى ان بعضهم كان يلتقط الصور من داخل سيارة الاسعاف رغم ان المسعفين كانوا ينهرونه بشدة. ورغم أن معظم أهالي المنطقة كانوا على قدر الموقف بل وحملوا المصابين – وبعضهم من رجال المطافيء- على أكتافهم عدوا الى المستشفى العام الذي يبعد أقل من خمسمائة متر من مكان الفاجعة، الا أن العديد ممن هرعوا الى المكان كان هدفهم الأساسي هو التصوير الحرام. أقسم لي صديقي بأن رجال المطافيء كانوا ينهرون هؤلاء المعتوهين لأنهم كانوا يعيقون طريقهم دخولا وخروجا من المحل حتى ان احد هذه الانفجارات قد تسبب في اصابة بعض رجال المطافيء أنفسهم.
ماذا حدث للمصريين؟ ولا تقل لي من فضلك أنهم قلة قليلة وأن هذا الأمر فردي فهو متكرر وأنا وأنت نعلم ذلك.
ألم تلاحظوا اعزائي صور المتحرشين بالقاصرات في القاهرة والمدن الكبرى؟ بالتاكيد استأتم من مظاهر التحرش تلك وصورها المؤلمة ولكن ألم تسالوا انفسكم عن الانسان المتبلد الذي وقف ليلتقط مثل هذه الصور ولم يرفع صوته حتى لينهر المتحرش عن العبث بجسد وكرامة الفتيات. ألم تروا صورة السيدة المحجبة في الطابور الطويل ورجل ما يتحرش بها من الخلف على مرأى ومسمع من عديم الاخلاق الذي مكنته أعصابه من التقاط الصورة؟
أفهم أن يخاف المرء من التدخل حتى لا يتعرض لأذى أو أن يهرب من المكان وان كنت لا اؤيد او أقبل هذا التصرف بطبيعة الحال. لكن أن يتوقف احدهم ويخرج تليفونه ويضبط كاميرته ثم يلتقط الصور ويجد الوقت والأعصاب والضمير ليرفعها على الانترنت معتبرا أنه بطل جسور. ثم يكتب (شير افضح المتحرش القذر) أو ليس من وقف يشاهد ويصور أكثر قذارة.
لكنها حالة عامة من تبلد الحس أصبحت تتسلل الى الناس يوما بعد يوم وتتسبب في جعل جلودهم أكثر سماكة وضمائرهم أكثر نعاسا. لقد اعتادت عيوننا القبح فأصبحنا لا نمانع رؤية الفوضى. واعتادت أنوفنا روائح القمامة و أصبحت أرى الناس واقفين امام تلال القمامة يتبادلون الأحاديث أو يتمازحون على اعتبار أنه من الطبيعي أن يكون كوم القمامة في الشارع. لقد اعتاد الناس في بلدنا المصائب حتى أصبحوا يصورونها دون أن يطرف لهم جفن. يمسك الرجل او الشاب او الفتاة بهاتفه ويضبط كاميرته ثم يصور باهتمام عامل بسيط يرقد وجسده نصف محترق على محفة أو يصور طفلة مذعورة عمرها 14 أو15 عاما وهي محاصرة بشباب مجنون يحاول امتهان كرامتها وجسدها ويحدث بها خدشا نفسيا لن ينمحي بسهولة.
توبوا الى الله وارجعوا الى رشدكم. لا تعتادوا القبح ولا تقفوا ساكنين أمام المصائب. لا تجمدوا فجيعة غيركم في صورة حرام تتسلون برؤيتها على شبكة الانترنت.عودوا مصريين عنوانا للشهامة والرجولة كما كنتم يوما وتوقفوا عن لعب دور اللا مبال.

التعليقات