كتاب 11

07:52 صباحًا EET

الحقوق اليتيمة .. أيتام الحق العام

كنت أعتقد أن الحق كلمة مطلقة يتطابق فلسفيا مفهومها اللغوى والدينى مع مفهومها القانونى أو بمعنى آخر أنها قيمة إنسانية لايتغير مدلولها مع تغير الزمان أوالمكان .. وهى فى المطلق هكذا … فى المخيلة أوفى الفكرة المجردة .. وهى فى الحس كلمة تلمع فيها عين الضمير .. ولكن .. عندالإنتقال من النظرية الى التطبيق من لحظة وضع إطار الحق فى الصياغة الدستورية أوالقانونية إبان الكشف عنه أو تقريره أوإنشائه .

فإنك سوف تجد أن ملامح الوليد التى تتجسد فى الواقع تختلف بعض الشىء عن الحقيقة التى قصدتها اللغة وعن صفات القيمة الإنسانية التى عرفتها كل مرجعيات الضمير .. حيث تجد أن إطار الحق وملامحه تحدده ثقافة المجتمع ومعتقداته السائده وبمعنى أدق الأيدلوجية السائدة .. ففى الوقت الذى يتعملق فيه الحق العام ( حق المجتمع ) أمام الحق الخاص ( حق الفرد ) فى الفكر الإشتراكى لدرجة أنه عند تعارض المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة ( الفردية ) فإنه عند سن التشريعات أو إصدار القرارات واللوائح .. أو عند وضع كلا الحقين العام والخاص فى ميزان العدالة فإنه لا محالة ترجح كافة الحق العام .. لإتساع إطاره وثقل وزنه بثقل وزن صاحبه المجتمع .. ( على أساس من الإفتراض أن ثمار المرافق العامة لاتذهب إلا لأصحابها فى عدالة إجتماعية مطلقة ) ..

على العكس من ذلك تجد الفكر الرأسمالى ( فى إطار فكرة الحرية ) يكرس لإتساع إطار الحق الخاص وإطلاق سلطان الإرادة التى لا تقف إلا عند حدود الحق الفردى للآخر .. (على أساس من الإفتراض بوعى كاف للكافة بحدود حق الآخر ).. وبين النظرية والتطبيق لكلا النظامين .. كانت هناك ضحايا ليسوا أيتام أم وأب ولكنهم أيتام حق تيتم محله و إستحقاقاته وأثاره الإقتصادية والأجتماعية …الخ الذى كان لها هذا الحق أم وأب .. وذلك بسب غير مباشر إما لطغيان الحق العام بشكل يقضى على الحق الخاص كتجربة التأميم .. أو لترك الحقوق الخاصة تعتمد على ذات أصحابها دون خلق حق عام موازى وثقل عام للأشخاص العامة ( التى تمثل الدولة ) ومظلة عادلة تضمن ألا تسود شريعة الغاب .. وتقف بين اصحاب الحدود الخاصة .. ليظهر الحق العام شامخا عند هذه الحدود .. ليكون رادعا قويا عند تعملق صاحب الحق الخاص على آخر ضعيف .. كمظلة التعاونيات .. وحماية المستهللك .. ومظلة المنافسة ومنع الإحتكار .. وخدمات الحماية والأمن .. والعدالة الإجتماعية .. والضمان الإجتماعى .. والتأمين الصحى ………إلخ .. ..

لكن هناك حالة صارخة فى القانون المصرى لم تقتصر فقط على موت حقوق خاصة خلفت ضحايا .. بل أن هذه الحالة تعدت ذلك إلى إعدام الحق العام على منصة القضاء فى حضرة أبنائه من الحقوق الخاصة .. هذه الحالة هى ما قررته المادة 18 مكررمن قانون الإجراءات الجنائية .. من إنقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح فى العديد من الجرائم الوارد ذكرها على سبيل الحصر .. فحيث كانت الدعوى الجنائية دعوى عمومية ويمثل المجتمع فيها أمام القضاء الجنائى النائب العام ووكلائه( النيابة العامة ) و قبل عام 1998 كان تنازل المجنى عليه عن حقه الخاص أو تصالحه لايمنع من السير فى الدعوى الجنائية العمومية لكون الجريمة شكلت أثرا سلبيا على المجتمع إهتزت فيه ثقة أصحاب كل الحقوق الخاصة فى حرس حدود الحقوق فى مخيم الردع العام ..

لذا كان القضاء يقضى بالعقوبة المناسبة بالرغم من التصالح وإن تم مراعاة التصالح بقدر تأثيرة فى إرتياح الضمير العام .. لكنه منذ 1998 ومع توجه الدولة لخصخصة المال العام .. لم ينتبه حراس حدود الحق .. حين قام المشرع آنذاك حال إعتناقه الفكر الرأسمالى .. لم ننتبه أن المشرع وإن كان يحق له خصخصة المال العام فإنه لايحق له خصخصة الحق العام ذاته حتى تصبح حدود الحقوق بلا حراس وبالتالى فإنه سلطان الإرادة يبقى فقط على إطلاقه لأصحاب المال الذى يستطيع إجبار الضعفاء على التصالح فى الدعوى الجنائية العمومية بكل وسائله التى لن تعجز .. ويبقى رضاء المجنى عليه أمام القاضى بالتصالح هى الرصاصة الرحيمة .. التى أعدمت فكرة الردع العام وهو الحق العام فى الأمن على حدود الحق ثم تم التوسع فى عدد الجرائم الذى يجوز فيها الصلح عام 2006 وحتى وقتنا هذا ..

لذلك لا تعجب مما تراه حولك فى كل مكان أو فى أسوان .. فهى ضحايا الحقوق اليتيمة وما أردت أن أنتهى إليه هو أن المادة الأولى من الدستور الحالى قد نصت على أن الدولة نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون.. وأننا أمام أيدلوجية فضفاضة تركها الدستور للقانون .. ليحدد ملامحها .. وأن ملامح الحق سوف تحددها أنت أخى القارىء بإختياراتك السياسية ولا سيما البرلمانية لنخلق لكل حق أم وأب هو الحق العام .. وكن من هذه حارسا أمينا على كل الحقوق أيتااااااااااام الحق العاااااااااام..

التعليقات