كتاب 11

01:13 مساءً EET

رسالة عاجلة جدا إلى الرئيس

ما أود الإشارة إليه يخص السلطة القضائية التي لا أعلق على أحكامها فلها كل الاحترام والتقدير ولا تزال لها في ذاكرة الخاصة والعامة صفحات مشرقة تجلت في مواقف نبيلة ووطنية وأدبية رفيعة وكانت دائما محل إعجاب وعرفان ، لكن الحقيقة التى لا يجب التغاضي عن آثارها السلبية أو تجاهل المرارة التى تخلفها تتمثل في أن سلطة القضاء الحامية للوطن تتعرض لحالة من الالتباس عند التعامل مع نصوص الأدب والشعر 

وقد حدث هذا كثيرا وألقي بظلاله على أحكام القضاة الذين لا نرى أنهم مسئولون مسئولية مباشرة عما يصدر من أحكام فيها من القسوة الكثير ، ومن ذلك الحكم مؤخرا على الشاعر عمر حاذق والقاص كرم صابر بالسجن خمس سنوات للخلاف حول بعض الكلمات ..

لك يا سيدى أن تتصور أن بضع كلمات استطاعت عبر حكم المحكمة أن تهدد حياة كاتبين وتزلزل الأرض من تحت أقدام أعداد غفيرة من المثقفين ، والسبب المباشر لهذا الالتباس بسيط للغاية فلا يخفى عليكم أن الأنشطة الإنسانية والعملية والعلمية يقتضى كل منها خبرة خاصة وعلما مختلفا وثقافة تتباين من مجال إلى مجال، فضلا عن المصطلحات والمفردات والتفاصيل المرتبطة بكل علم وكل مهنة وكل تخصص، فالعمارة لها عالمها والهندسة المدنية لها عالمها والطب له عالمه والتجارة والمقاولات، وكذلك للسياحة والصناعات والأوقاف والطيران والألعاب الرياضية عالمها ومصطلحاتها، كما أن للآداب والفنون عالمها ومفرداتها، وهنا تبدو المسألة معقدة بدرجة لافتة فالآداب والفنون ليست في متناول أي إنسان إلا الموهوبين ومن هنا يكاد يتعذر على القاضي المثقف ذاته في أحيان كثيرة أن يحكم على النص الأدبي ذي الأغوار وليس الأدب ككل المهن والعلوم

إذ إن له مستويات وطبقات ورموزا وأسرارا ودلالات فوق السطور، ودلالات بين السطور وتحت السطور وعوالم خرافية وموضوعات أسطورية ورؤى صوفية، كما أن الأعمال الأدبية والدرامية قد يكون من بين شخصياتها من يعانى من هواجس نفسية وأحلام وهلاوس ووساوس وكوابيس وعُقد وأوهام لا يكاد يدركها إلا المتخصصون من الأدباء والنقاد ، وهذا هو السر في أن الثقات من رجال القضاء المحترمين يلجأوون منذ اللحظة الأولى إلى المتخصصين من المهندسين عند النظر فى قضايا تخص البناء والإنشاء وإلى الأطباء والصيادلة عند النظر فى قضايا تخص سبل العلاج والعمليات الجراحية والتخدير وإلى مهندسى الميكانيكا عند نظر قضايا الحوادث الناتجة عن خلل السيارات والقطارات وغيرها، فى حين يرفض القضاة تماما اللجوء إلى الخبراء من نقاد الفن والأدب، عند النظر فى قضايا هذين المجالين بالذات

ومن ثم ينتج عن هذه الأحكام اضطراب واضح ومشكلات مثيرة للجدل والصدام الذى يهدد سلامة المجتمع ووحدته، وليس الذنب ذنب القضاة بكل تأكيد، لكن لأنها سياقات معقدة، ولها أسرارها ولغتها العميقة التى تتأبى فى أحيان كثيرة على فهم من يجيدون العربية الفصحى ، لذلك نرجو التفضل بتعميم التوجه الحميد والعلمى الذى يقضى بضرورة الاستعانة بالخبراء من الجهات الثقافية الرسمية والأهلية لتزويد القضاة بذوى الخبرات لإبداء الرأى المتخصص، أسوة ببقية المجالات، حتى تنسد الثغرة التى ينفذ منها سوء الفهم والضجيج غير المبرر، فلم تعد حياتنا تحتمل المزيد من أسباب التصارع والغضب إننى وعشرات الآلاف من المثقفين نناشد فيكم كل الخصال الحميدة التي لمسها الجميع على مدي يقرب من عام من الحكم الرشيد وتجلت هذه السمات أكثر ما تجلت في احترام بالغ تكنه للمواطنين واستعداد دائم للدفاع عن قضاياهم وحرص شديد على تبنى مشكلاتهم والعمل على رفع نير العنت والتعسف عنهم وبذل أقصى الجهد من أجل التخفيف من معاناتهم .. نناشدكم التكرم بالتوجيه لاستعانة القضاة بالخبراء عند النظرفي كل ما يخص مجال الأدب والفن ، وحفظ الله مصر والمصريين وحفظكم من كل سوء

التعليقات