مصر الكبرى

11:30 صباحًا EET

مخاض مصر العسير

 
يواجه الرئيس المصري محمد مرسي تحديين اساسيين وهو يخطو في تأسيس وترسيخ نظام حكم ديمقراطي حقيقي للمرة الاولى فى تاريخ مصر الحديثة . التحدي الأول يتمثل فى ضرورة سرعة الاستجابة للحركة المطلبية الواسعة التي انتظمت البلاد منذ تدشين حكومته قبل ثلاثة اشهر.
 

وقد اخذت هذه الحركة المطلبية منحى حادا في الاسابيع الاخيرة ، انعكس في الاضرابات الواسعة التي تكاد تشمل كل قطاعات الدولة والتي شابتها بعض مظاهر العنف احيانا. اما التحدي الثاني ، فيتمثل في فجوة عدم الثقة الواسعة بين الفئات السياسية الرئيسية . ونعني بهذه الفئات فئة جماعة الاخوان المسلمين الحاكمة و فئة الجماعات الاسلامية الاخرى التي ترفض الاندماج في جماعة الاخوان الحاكمة . بل و تعارضها احيانا رغم الهدف المشترك الذي يربط بين هذه المكونات الاسلامية في نهاية الأمر وهو هدف اقامة وترسيخ حكم الشريعة الاسلامية في مصر . وتدخل في هذه الفئة جماعات الاسلام السلفي ، والجهاديين السلفيين وغيرهم من الجماعت الاسلامية المتعددة المشارب والتوجهات. اما الفئة الثالثة فتتمثل في الكتلة الليبرالية الكبيرة التي تعارض توجهات الجماعت الاسلامية على اطلاقها ولا تثق في كل ما يقدم لها من الجماعات الاسلامية فحسب ، بل تكن عداءا صريحا لكل مشروعات الجماعات الاسلامية السياسية لحكم مصر . و لا تبذل أي جهد لاخفاء هذا الشعور المتمكن في وجدانها نحو الاسلاميين بكل طوائفهم . اذا جلست الى بعض المثقفين المصريين الناشطين سياسيا ، فلا تعدم من أن تجد من يحدثونك عن تخوفهم من تحول عدم الثقة المتبادل بين هذه الفئات الى صدام عنيف في قادم الايام اذا لم يتم تلافي الاحتقانات الكامنة في صدور هذه الفئات كل نحو الاخرى . وانت تتصفح صحف القاهرة الكثيرة العدد والكثيرة الاخبار و الكثيرة الكتاب لابد ان يترسخ في ذهنك هذا الاحساس المخيف . ولا بد من أن يأخذك الدوار . قاهرة المعز لدين الله الفاطمي ، هي ايضا قاهرة الملل والركود والسأم بما افاض الله على شعبها من خفة في الروح و من حيوية وحميمية وتلقائية محببة ، يحسها الزائر الغريب او يراها عيانا بيانا. ولا يكاد يجد مناصا من ان يتفاعل مع ما يجري امام عينيه فيها وفي طرقاتها الفسيحة والضيقة معا. هذه الايام يلحظ الزائر الى القاهرة ضيقا متبادلا بين الناس في طرقات المدينة المسرعة في كل شيء . حدث هذا معي . وقد يحدث لك متى وجدت نفسك سادرا و هائما في قلب القاهرة التي لا يأخذها الاسترخاء و النعاس يأخذك الدوار ، نعم . فصحف القاهرة تصرخ بما يصرخ به سياسيوها و احزابها ونقاباتها وشعبها في الشارع العريض . وتدهشك بمفارقاتها الكثيرة . قد تعجب ان ترى ان الجميع في مصر الكنانة يرفضون الذي بين يديهم والذي من خلفهم او الذي من امامهم . يرفضون ما تقدم لهم الدولة من خدمات . او من اعذار منطقية . او من وعود اصلاحية . يرفضون المساومة على أي شيء. كأنهم يقولونها صريحة اما فيها او اطفيها على قول المثل المطروق . الجميع يزعقون في كل الاتجاهات وفي كل الوجوه . ولا يبذلون جهدا لكي يسمعوا ما يقول الآخرون. التحديات الاقتصادية التي يتحتم على الرئيس مرسي مواجهتها بالسرعة المطلوبة هي التصدي لظاهرة الاضرابات التي اخذت شكل الموجة الكاسحة في هذه الايام والتي برزت بعد الثورة بصورة تستدعي انتباه الرئيس مرسي حتى لا يصبح ذات يوم ويجد كل المجتمع المصري مضربا او مهددا بالاضراب رغم الظرف الدقيق الذي تمر به مصر. يستوي في تقمص ظاهرة الاضراب او التهديد بها معظم موظفي الدولة . حتى الطبقات النيرة التي تعرف المزالق التي قد تنزلق فيها مصر جراء هذه الظاهرة الوليدة ، اصبحت لا ترعوي من السير فى هذا الطريق المهلك . فأنت تجد الاطباء واساتذة الجامعات والطلاب و من يعمل في قطاعي النقل العام والخاص والتجار . تجدهم يهددون بالاضراب. و يتحججون بمطالب ظلت في مكانها منذ ثلاثين عاما . و يريدون حلها اليوم دفعة واحدة . غريب ان يكون ذلك هو تقدير اهل العلم والدراية وسط موظفي الدولة الذين يعلمون حجم المشكلة و ابعادها . وتاريخها واستحالة حلها هكذا بضربة لازب . فالرئيس ، لا يملك عصا موسى . ان يخير رئيس لم يمض على انتخابه الا بضعة اشهر بين حل مشاكل ظلت في مكانها على مدى ثلاثين عاما دفعة واحدة ، وبين مواجهة ثورة ثانية تنطلق من ميدان التحرير لتجعل منه ( مخلوعا ) ثانيا ، فهو اشتطاط وبلطجة ديمقراطية لا تليق بثوار ادهشوا العالم بجسارتهم ووعيهم الثورى في الخامس عشر من العام الماضي . هل يريدون ادهاش هذا العالم المرة بنسيانهم السريع انهم هم انفسهم الذين اصطفوا في طوابير طويلة ليصوتوا لهذا الرئيس على رضا وقناعة . لقد اتخذوا القرار الصحيح في ذلك الوقت حين قفلوا الطريق امام مرشح الفلول . وما زال ذلك العزم مطلوبا من الثوار . وانت تنظر في صحف القاهرة الصارخة في البرية ، قد يزعجك ان ترى ان الجميع يتهمون بعضهم البعض بالسرقة. والاحتيال. والفساد ، حتى يغشاك الظن الآثم ان مصر الكنانة بطولها وعرضها ليس فيها رجل واحد رشيد . هذا ظلم فادح. فالمجتمع ، اي مجتمع ، لا يمكن ان يكون كله فاسدا ، او يخلو من الخيرين . خذ – مثلا – هذه المجموعة من الناشطين القانونيين التي تقدمت بطلب للنائب العام لكي يحقق مع المشير طنطاوي في ثلاثين تهمة بالفساد والقتل والخيانة نعم ، تهم تزيد و لا تنقص. وتطلب اليه ان يصادر جواز سفر المشير حتى لا يهرب خارج مصر . أي عيب هذا وأي شطط؟ . و مع رأس المشير مطلوب كذلك رأس رئيس اركانه . المشير طنطاوي كان القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزيرا لدفاع مصر و مكلفا برئاسة مصر بعد خلع الرئيس السابق حسني مبارك. كيف اصبح بين عشية وضحاها موسوما بكل هذه الرذائل السياسية؟ . هذا سؤال قد يجد له بعض المتنطعين اجابة من نوع ما. ولكن لا يستطيع ذلك الذين لم تعم قلوبهم التي في الصدور . ان الكبت الطويل يولد احساسا مضاعفا بالظلم . ويولد بالتالي رغبة شديدة في الانتقام والتشفي متى فتح الله على هذا المكبوت وصار قادرا على الكلام تحت الهواء الطلق. عندها فقط ينفلت لسانه من عقاله . و يتكلم بعظائم الامور المدهشة . خذ مثلا – تصرف اولياء امور الطلاب في بعض المدارس الثانوية المصرية الذين اغلقوا المدارس بالجنازير والمفاتيح في وجه الطلاب والمدرسين حتى لا تفتح المدارس ابوابها. هذا اسلوب جديد في معالجة الاختلاف . انه اسلوب متطور . ولكنه تطور الى الخلف وفي الاتجاه المعاكس. خذ – مثلا- حمى رفع المطالب المالية من زيادة في المرتبات والعلاوات في هذا الظرف الاقتصادي الدقيق التى تتقدم بها النخبة التي تعرف ما لا يعرفه غيرها من عجز مالي تعاني منه بلدهم التي تضررت سياحيا و اقتصاديا بسبب الثمن الذي دفعته ضريبة للانعتاق والحرية والديمقراطية التي قال عنها الشاعر القديم ان لها بابا لا يدق الا بالايادي المضرجة بالدماء . لقد دفع شباب مصر روحه ثمنا لهذه الحرية وخضبوا اياديهم وضرجوها بالدماء ومضوا . وتركوا الاحياء من بعدهم ا يتنسمون عبير هذه الحرية الآن؟ . يبقى على هؤلاء الاحياء ان يعطوا هذه الحرية حقها من الصبر و التضحية. اما اذا نظرنا في تفلتات قبائل الاسلاميين ، من اخوان مسلمين ، وجهاديين وسلفيين الذين يفترض انهم اقرب الى الرئيس بالمشايعة ، فلابد ان ترى امامك نوع العراقيل والحواجز التي توضع في طريق الرئيس المنتخب . هؤلاء يدفعونه ليحارب لهم العالم الذي تحتاج اليه مصر حاجتها الى اوكسجين الحياة . تراهم نابحين في الطريق والاركان يريدون ان يأخذوا مصر الجديدة الى مضمار الجهل والسذاجة السياسية ، ليبتدروا اعمالا قاصرة ضد الجميع باسم الجهاد والاسلام ونصرة فلسطين ونصرة النبي الكريم عليه افضل الصلوات والتسليم . انه سيناريو العودة الى الفراغ العقلي القديم الذي مكن المحتالين السياسيين ان يتلاعبوا بمشاعر البسطاء من الناس في الماضي باسم القومية والوطنية حين جعلوهم يصدقون كذبة حروبهم التحريرية التي سيرمون فيها دويلة اسرائيل في البحر . خوفي على سيناء وانسان سيناء حين تصبح غدا فلسطين اخرى اذا سمح للعاطلين ان يفتعلوا الازمات مع الغير الدولي و الاقليمي باسم الدين والجهاد وفلسطين في سيناء . آخر تجليات هؤلاء العاطلين كان طلبهم من الرئيس مرسي استعادة الشيخ عمر عبد الرحمن المدان و المحبوس في جرائم ارهاب ارتكبت في نيويورك ، استعادته هكذا بالعافية من سجون امريكا . ولكنهم لم يوضحوا للرئيس كيف ينفذ لهم هذا المطلب الخطير . هل بالدخول في حرب جهادية مع الولايات المتحدة وهزيمتها ثم تحرير الشيخ عمر عبد الرحمن . ام باسلمة امريكا كلها وهدايتها الى طريق الشيخ الضرير و من ثم تطلق امريكا سراحه وتعتذر اليه عن خطئها عندما كانت أمة من الكافرين . نعيد القول ان الرئيس مرسي يواجه تحديات مطلبية وتحديات عدم الثقة المتبادل في المجتمع المصري . وتحديات تفلتات قبائل القوى الاسلامية بكل مسمياتها العديدة . في الاسابيع القليلة القادمة سوف يواجه الرئيس مرسي تحديا جديدا وجديا ظهر للتو في الساحة ، هو تحدي التكتلات السياسية التي تقيمها القوى السياسية هذه الايام بهدف هزيمة التيارات الاسلامية في الانتخابات التشريعية القادمة قريبا . وسوف تجد الحركة (الاخوانية ) ان فوزها السهل في الانتخابات الماضية سيكون دونه خرط القتاد هذه المرة . وسوف يفوز الرئيس مرسي الفوز الاعظم اذا اجتاز كل هذه التحديات برباطة جأش وحسن التدبير .
 

التعليقات