مصر الكبرى

12:13 مساءً EET

الابداع لابد أن يثير الشك فى القناعات الثابتة

    تساءلت دائما ، عن ذلك الشئ الساحر ، الذى يميز الابداع . هل تكفى الموهبة الفنية ، ل خلق العمل
المبدع ؟ ما هو المعيار ، الذى استخدمه ، لأفرق بين
الفن ، و الابداع ؟

    بعد التأمل الطويل ، اكتشفت أن السمة الجوهرية ،
التى تميز الابداع ، هى " الصدام مع العالم " . انه الشرط الذى بدونه ، تختفى صفة الابداع . بدون " الصدام مع العالم " ، نصبح أمام " استهلاكات " ، وقتية للتسلية العابرة ، مثل سرد الحواديت ، التى تبعث على الراحة ،
و تساعد على النوم .
    ان الابداع ب الضرورة ، لابد أن يصطدم ب الأشياء المحيطة .  لماذا الصدام مع العالم ؟؟ لأن الابداع ، هو انذار مبكر للحضارة . هو أول ما يدق ناقوس الخطر .
ان الانسان المبدع ، هو ذلك المخلوق ، غير العادى ، الذى كلفته الحياة ، ب أصعب مهمة . انها مهمة أن يقلق الناس  و يؤرق مضاجعهم ، و يبعث الارتباك فيما يشعرهم ب الأمان ، و يثير الشك ف قناعاتهم الثابتة .
    ان الانسان المبدع ، امرأة ، أو رجلا ، لا يكون عظيما ،
لأن أعماله تعبرعن الحياة ، أو لأن أعماله تعكس الواقع .
فى الحقيقة ، ليس مطلوبا من أصحاب الابداع ، اعادة انتاج الحياة ، و الواقع . انما المطلوب ، هو احضار سئ ،
جديد الى الحياة ، و ادخال شئ غير مسبوق الى الواقع .
و الأشياء الجديدة ، و الغير مسبوقة ، بالضرورة تحدث صداما ، و تستثير الغضب ، و تحفز على الهجوم ، و تحرك القلق . و الابداع ، حين يعبر عن الحياة ، فانه يعبر عنها ،
ل يثور عليها ، و يغير أشكالها ، و مضامينها المنمطة . الابداع حين يعكس الواقع ، فانه يعكسه ، من أجل أن يتجاوزه الى واقع مغاير . الابداع اذن هو الذى يحملنا ، الى المغامرة ، و المخاطرة ، و الدهشة . الابداع هو طفل
الحياة ، المشاغب ، المشاكس ، المثير للجدل ، المتمرد على فضيلة الطاعة ، و محاسن الدخول فى الطوابير .
و لهذا نجد أن كل المبدعات ، و المبدعين ، كانوا ، ولا يزالون مضطهدين ، غير مفهومين ، و متهمين ، ب افساد المجتمع ، و بأنهم ضد العادات ، و التقاليد ، و الأخلاق .
و نتيجة لهذا ، لا يعرف قدر أصحاب الابداع الحقيقى ، الا فى أزمنة لاحقة .
    من المهم جدا ، فى كل مرحلة تاريخية ، أن ندرك الفارق بين الشخصية الموهوبة ، و الشخصية المبدعة .
ان كل شخصية مبدعة ، بالضرورة شخصية موهوبة . لكن ليس كل شخصية موهوبة ، شخصية مبدعة . الموهبة تخلق الأعمال الفنية ، التى تدغدغ الحواس . لكن الابداع،
يخلق الأعمال الفنية ، التى تتحدى الحواس . الأعمال الفنية ، تريح الانسان ، و أداة من أدوات الابقاء على الوضع القائم . أما الابداع ، فهو يتعب الانسان ، و هو صرخة احتجاج ضد بقاء الأشياء على حالها . الفنان الموهوب ، يسير وفق الوعى العام ، و العواطف العامة ،
و الارادة الجماعية . أما الفنان المبدع ، هو يقود الوعى ،
و العواطف ، و الارادة ، الى آفاق غير معاشة من قبل .
و لكل هذه الأسباب ، فان الابداع ، يحتاج الى شجاعة فائقة . هى شجاعة خلق الجديد ، وشجاعة الاصرار
عليه ، و شجاعة دفع الثمن . الفنان الموهوب ، يحصد الفلوس ، و الشهرة . لكن الفنان المبدع ، له البقاء ،
و المجد . أصحاب المواهب ، يصنعون استهلاكات فنية .
و أصحاب الابداع ، يصنعون الحضارات ، و يغيرون وجه التاريخ ، و مسار الحياة . و لا يمكن أن تصنع حضارة ،
و يغير وجه التاريخ ، و مسار الحياة ، الا ب الصدام مع
شئ واحد على الأقل .
    ب معنى ما ، ينطوى كل فعل ابداعى ، على فعل تدميرى . لا نقصد أن الفعل الابداعى ، هو فعل فوضوى ، يعبث ب الأشياء . لكننا نقصد أن الفعل الابداعى ، ب طبيعته ، فعل معارض ، غير قانع ب القيم ، و العلاقات السائدة ، و فى طياته يحمل نبوءات عالم جديد ، متجاوز.
    من المهم جدا ، أن نتسائل بعد الثورة ، هل نحن بحاجة ، الى أعمال فنية ، أم أعمال ابداعية ؟  هل نريد
أعمال تساعدنا على النوم ، أم أعمال تساعدنا على اليقظة ؟  هل نريد الأقراص المخدرة ، المسكنة ، أم أقراص المواجهة ؟ هل نريد المشى ، أم التحليق؟
    من هنا ، تتضح العلاقة الوثيقة ، بين الثورة ، و الابداع .
كلاهما ، يسكب الماء المستقر فى الاناء ، ل يضع ماء نقيا . كلاهما يصنع أبجدية جديدة للكلام ، و عواطف
مختلفة تعاش . الثورة ، و الابداع ، كلاهما يحلق فى السماوات المستحيلة ، و يركض على أرض محظورة .
                                 من واحة أشعارى
                                 ——————
                                 كيف أصبح الوطن
                                 مثل الدرب المسدود ؟
                                 أنظر من النافذة
                                 أرى القيود و الحدود
                                 شئ ما يفزع الشمس
                                 شئ ما يهدد الوجود
                                 أين أنوار المدينة
                                 أين الغناء و الورود ؟
                                 سأبقى يا وطنى
                                 فأنا لا أعرف الجحود
                                سأحيا رغم اغترابى
                                رغم رائحة البارود
                                         —–

التعليقات