أفضل المقالات في الصحف العربية

07:18 صباحًا EEST

الشرق الأوسط بين ثقافة التنوير وثقافة التدمير

مَن يستفيق في منطقة الشرق الأوسط منهكاً بكابوس يلاحق يومه الآتي، ومَن ينهض متطلعاً إلى حمل أحلامه إلى التنفيذ؟ بين ثقافة التدمير وثقافة التنوير يتخبط الشرق الأوسط وهو يسير على الخيط المشدود ولكن بخطوات مختلفة في مسيرة التغيير. هذا الطرح ليس بهدف الإنشاء ولا هو نتيجة استطلاع علمي (من المفيد إجراؤه) وإنما هو محاولة للعودة إلى ما يريده المواطن في أيٍ من بلاد الشرق الأوسط وكيف تلبيه قياداته الحكومية أو بديلها الساعي وراء الحكم.

في دولة الإمارات العربية يستفيق المواطن إلى عناوين الاحتفاء بالكفاءات والإنجازات والتنافسية الدولية والريادة والتقدير والمكافأة. وكما قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي هذا الأسبوع بمناسبة تصدّر دولة الإمارات العالم في الكفاءة الحكومية بحسب تقرير التنافسية العالمي: نحن دولة تعمل فريقاً واحداً من السلع للفجيرة وسعادة الإنسان محور عملها.

بالمقابل، سعادة الإنسان ممنوعة في إيران. ممنوع على المواطن أن يفرح ويرقص ويغني في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. رئيس الشرطة الإيرانية قال لوكالة الأنباء الإيرانية تعليقاً على الفيديو الذي أعده ثلاثة شبان وثلاث شابات غير محجبات وهم يرقصون على نغم «هابي»: «انه بعد نشر الفيديو المبتذل الذي يمس بالآداب العامة على الإنترنت، قررت الشرطة تحديد المتورطين في إعداد هذا العمل». ثم احتجاز المواطنين السبعة بعد حملة على تويتر بعنوان «اطلقوا الإيرانيين السعداء».

الرئيس الإيراني حسن روحاني علق على حادثة توقيف الشبان مذكِّراً بتغريدة نشرها سابقاً على حسابه على تويتر قال فيها إن «السعادة حق لنا. علينا ألا نحكم بقسوة على أفعال سببها الفرح».

دفاع الرئيس الإصلاحي المعتدل حسن روحاني عن الحريات لا يعجب تيار المتشددين الحاكم فعلاً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فالمعركة مستمرة على السلطة والتوتر السياسي الداخلي مستعر إنما، حتى الآن، إيران باقية تحت سلطة نظام الملالي ولن تحتفي قريباً بفرحة الحريات الممنوعة من ثلاثة عقود ونصف.

فمهما تباهى حكام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالحنكة السياسية، أو بالإنجازات النووية، أو بالهيمنة الإقليمية والفوز بسورية بعد العراق، أو بإركاع الغرب، أن حصيلة ما فعله هؤلاء الحكام هي إعادة إيران ذات الحضارة المبهرة أقله ثلاثة عقود إلى الوراء منذ توليهم السلطة حجبوا السعادة عن المواطن الإيراني فبات يستيقظ خائفاً من الفرح.

في تركيا التي لطالما افتخرت بأنها ديموقراطية واعتزت بأنها «علمانية» تفصل الدين عن الدولة، أتى رجب طيب أردوغان ليتحكم بتركيا ويجعل منها قائدة ومرشدة لـ «الإخوان المسلمين». ثار عليه الشعب التركي لأنه بات ينهض من نومه مُعرقاً بكابوس الديكتاتورية الدينية. اعترف له بإنجازات صعود تركيا اقتصادياً، لكنه حاسبه لتجرؤه على الافتراض بأن تركيا قابلة للانكماش تحت قبضة الديكتاتورية والقيادة الدينية ذات المشروع الخطير. بات المواطن التركي يستيقظ إلى يوم جديد من المواجهة مع زعيم ظن أن في وسعه فرض المصير.

في مصر حيث نهض المواطن المصري لإفشال أخطر مشروع وهو تملّك «الإخوان المسلمين» السلطة وإخضاع المنطقة العربية لفرضهم الدين على الدولة، يستيقظ المصريون الآن إلى يقظة القدرة على التغيير من ميدان التحرير. فالمواطن المصري باتت لديه أداة للمحاسبة وهو سيستخدمها تكراراً إذا ما نسي أي حاكم جديد أن الميدان هو الذي أتى به إلى السلطة.

لا يهم ما يقوله بعض الكتّاب والإعلاميين الغربيين – والعرب أيضاً – بأن ما حصل في مصر هو «انقلاب لإعادة حكم «العسكر». هذا هراء. إنما لو صدقت مزاعم هؤلاء أن بعد فوز المشير عبدالفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية وتوليه الحكم سيمارس السلطة بديكتاتورية عسكرية، الأكيد الأكيد أن ميدان التحرير سيحاسبه وسيسقطه لو سلب من المواطن المصري حقه بالاستفاقة إلى يوم جديد من إعادة بناء مصر، داخلياً أولاً، إنما كذلك إعادة تموضعها في موازين القوى الإقليمية بدعم خليجي بالذات من السعودية والإمارات وكذلك الكويت.

مصر المواطن، أو مصر «الشارع» كما يُطلق عليه، هو الآن حجر أساس في إعادة رسم المنطقة العربية في أعقاب سنوات من انحسار انخراط الشعب المصري. ما حدث في تونس من تصحيح لما أسفرت عنه «ثورة الياسمين» وتحدٍ لاستفراد «الإخوان المسلمين» بالحكم ما كان ليحدث لولا إفشال المصريين لمشروع «الإخوان المسلمين» في مصر. اليوم يستيقظ المواطن التونسي إلى الأمل مجدداً وينهض مبتسماً لاستنشاق الياسمين فهو يحتفي بقدرته على المحاسبة وتمكنه من المواجهة للإصلاح والتصحيح.

وقد ينجح المواطن الليبي في الأخذ بالنموذجين المصري والتونسي على رغم الكابوس الذي يعيشه اليوم ليلاً ونهاراً. فلقد فُتِحَت صفحة المحاسبة والمعاقبة لأولئك الذين افترضوا أن حلف «الناتو» أسقط معمر القذافي من أجل أن تمتلك ليبيا زمرة من الفاسدين والمتسلطين والناهبين للثروة الوطنية وإرهابيي «القاعدة» أو «داعش» وأي من أخواتها.

مهم انضمام الدفاع الجوي و «تحالف القوى الوطنية» بزعامة محمود جبريل إلى عملية «كرامة ليبيا» لـ «الجيش الوطني الليبي» الذي يقوده رئيس الأركان الأسبق اللواء خليفة حفتر. مهم أيضاً أن «الجيش الوطني الليبي» طلب مساعدة الجيش المصري للحفاظ على الحدود المصرية الليبية معتبراً «أن الجيش المصري صمام الأمان للأمة العربية». إنما الأهم أن ليبيا تسعى للنهوض من كابوس الرعب والترهيب والإرهاب وأن المواطن الليبي يستيقظ الآن متطلعاً ومتأهباً للخلاص من التطرف الديني والقبائلي بدعم خارجي مدروس، للالتحاق بدعوة حفتر لمجلس حكم مدني لرئاسة الدولة، ولتصحيح مسار الثورة الليبية.

المواطن اليمني لا يزال في مخاض لأنه لم يتخلص بعد إما من إرهابيي «القاعدة» وأمثالها أو من أحلام «الإخوان المسلمين» البائسة. ما زال يستفيق إلى الخوف والقلق مع أنه أنجز خطوات مهمة في مسيرة الخلاص من الاستبداد. فالمواطن اليمني بات ضحية للأرق.

الأرق يرافق المواطن في العراق الذي تحدّق فيه أشباح حرب أهلية تدمر كل ما سبق وبناه. يهيمن الأرق على ليالي المواطن العراقي لأنه يدرك أن الحرب المذهبية لن تقسّمه فحسب وإنما ستدمره. يحلم المواطن في العراق أن يتخذ رئيس الحكومة نوري المالكي خطوة سبّاقة مدهشة ويغادر السلطة طوعاً علماً منه أن بقاءه مفتاح الخراب. يحلم، لكنه يستفيق إلى واقعية السلطة، فيلتقط أنفاسه ويعود إلى الأرق.

مسكين المواطن السوري لأنه يخسر النوم المطمئن أينما رقد داخل سورية – مشرداً أو مقاتلاً أو حاكماً أو هارباً – وخارج سورية إن كان لاجئاً في المخيمات أو نازحاً في الحقول أو مدللاً في الفنادق الضخمة. إنه مواطن الكارثة والمأساة. فالنوم يفارقه وإذا أغلق جفونه، وجد السوري نفسه مرعوباً مذعوراً مهما طمأن نفسه أنه يفوز بمعركة أو تخيّل الانتصار. فطويلة هي ليالي الأرق وكثيرة هي كوابيس الغفو الموقت.

في لبنان اعتادوا النوم وما يخافونه هو الاستفاقة إلى أخبار أمنية تؤرق الصحو وليس النوم فقط. لا يأرق المواطن اللبناني من عدم اكتمال النصاب لانتخاب رئيس جمهورية في «نادي» النواب المعطّل والعاطل من العمل. يزعجه أن النائب اللبناني يبقى موظفاً براتب عالٍ طوال الحياة مع أنه، وهو في المنصب، قل ما فعل للمواطن مع الاحترام للاستثناءات. يتحدث عن «الفراغ» ومعانيه وطيلة مدته، لكنه قد اعتاد على غياب الدولة. قرر ألاّ يربط حقه بالفرح والرقص والسعادة بقرارات زعمائه، فقام بالتعمير في وجه التدمير وفي عمقه الحسرة على تحويل جنة وهبها الله إلى مشروع جحيم تصنعه الزعامات اللبنانية المختلفة.

الفلسطيني، من جهته، اعتاد على جحيم الاحتلال الذي يشكل حقاً أحد أسوا الانتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية، لكنه لم يتأقلم معه لأن التأقلم مع الاحتلال يتنافى مع مبدأ الحرية والمبادئ الإنسانية. ما يعيشه الفلسطيني من قهر في ظل الاحتلال يؤرق الإسرائيلي الذي يعيش كابوس قيامه بالاحتلال مهما هرب منه الآن أو لاحقاً. فالإسرائيلي يعيش عقلية الحصار، ولا سعادة في ذلك، وهو يدرك تماماً معنى إخضاع الفلسطيني للاحتلال، ولا مزح أبداً في ذلك.

في منطقة الخليج، المواطن السعودي يستيقظ إلى التغيير اليومي الذي لا يبدو جليّاً لغير السعوديين إنما هو حدث ضخم يومياً للمواطن السعودي. الرياض باتت تزاحم جدة، والإصلاح ماضٍ إلى الأمام بوتيرة سعودية. بعض الأرق، نعم، إنما لا كوابيس في المنام.

عودة إلى دولة الإمارات، لربما أبرز ما يميزها هو حس الطمأنينة والتطلع والتفاؤل والسعادة الذي يرافق المواطن الإماراتي. حدثان هذا الأسبوع يشكلان نموذجاً لاهتمامات الإمارات:

منتدى الإعلام العربي في دورته الـ13 الذي احتفى بإنجازات الإعلاميين من المنطقة العربية وقدّر الكفاءات والمواهب أثناء تجمّع لكبار الإعلاميين في المنطقة شارك فيه الشيخ محمد بن راشد داعماً لجهود رئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر ورئيس نادي دبي للصحافة المرأة الكفؤة والقديرة، منى غانم المرّي، ومدير نادي دبي للصحافة ومدير منتدى الإعلام العربي، منى بوسمرة.

الحدث الأوسع هو صدور نتائج تقرير التنافسية العالمي الذي صنّف الإمارات الأولى في جودة القرارات الحكومية وفي غياب البيروقراطية، والثانية عالمياً في مجال القيم والسلوكيات وفي سهولة ممارسة الأعمال. جميل الاحتفاء بتصدر العالم في الكفاءة الحكومية حسب الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2014 الذي يعد من أهم التقارير العالمية ويصدر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارة في سويسرا. جميل الفرح بنيل دبي لقب مدينة الفرص العالمية وباستضافة الشارقة لاحتفاءات دينية نوعية تتميز بالإنارة والاعتدال.

الصحف الإماراتية مليئة بالأخبار السارة من التهنئة إلى التدشين إلى استقطاب الإبداع والاستثمار إلى تقدير الكفاءات إلى المنافسة على الأفضل وتبوؤ المركز الأول.

فهنيئاً للمواطن الذي يستفيق سعيداً بقيادته والذي يرقد إلى النوم مبتسماً بالنهوض إلى تحقيق حلمه.

التعليقات