كتاب 11

12:30 مساءً EEST

السيسي وظلال مبارك

أما وقد أضحى خوض المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء السابق للسباق الرئاسي المزمع أمرا واقعا وحقيقة لا تقبل التشكيك، يغدو المرشح الرئاسي بحاجة إلى وقفة تعبوية، بلغة العسكريين والخبراء الاستراتيجيين، يراجع خلالها الحسابات ويعيد ترتيب الأوراق قبل العروج إلى مرحلة جد مغايرة وصعبه من مسيرة الوطن المصرى والمواطن عبد الفتاح السيسي.

وقد لا يجادل أى منصف فى أن أوراق الاعتماد التى بحوزة المشير السيسي حاليا كفيلة بأن تحمله بأريحية إلى الكرسي الرئاسي من خلال انتخابات رئاسية تعددية نزيهة بشهادة المراقبين المحليين والدوليين، لكنه، دونما شك، سيكون بحاجة ماسة إلى أسس جديدة وركائز مبتكرة وراسخة لشرعية الحكم واستكمال مدته الرئاسية، وسط رضاء شعبى، بعد أن يمسى رئيسا، تتمحور بدورها حول إنجازات متواصلة على كافة الصعد. ذلك أن مسوغات ومتطلبات الفوز فى الانتخابات الرئاسية تختلف بعض الشىء عن مقومات ومؤهلات الحكم والبقاء فى السلطة حتى نهاية الأمد الدستورى الذى من غير المسموح لأى رئيس تجاوزه وهو فترتين رئاسيتين متتاليتين لا ثالثة لهما، وفقا لما نص عليه دستور عام 2014. 

فإلى جانب سعيه الضرورى والملح لاستيعاب أطراف إقليمية وتطمين وتحييد قوى دولية تتوجس خيفة من قيادته الطموحة للبلاد، ما قد يجعلها لا تدخر وسعا فى العمل بدأب لترويضه أو احتوائه أو استتباعه وإما إفشاله أو تصفيته إذا ما اقتضى الأمر، يبدو الرجل فى مسيس الحاجة إلى خارطة طريق شاملة ومتكاملة تؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ مصر و ثورتها، تستهل بتطبيق عدالة انتقالية ناجزة تمهد بدورها السبيل لمصالحة وطنية جادة تلم شمل كافة الفصائل السياسية الوطنية المعتدلة، دونما إقصاء، تحت راية العمل الوطنى بعيدا عن مناخ الفرقة والانقسام وأجواء التحريض والكراهية، بغية استكمال أهداف الثورة، التى تاهت وسط زحام الصراعات السياسية بين شركائها وبعضهم البعض على نحو هيأ الأجواء لتغول الثورة المضادة وعودة النظام الذى من أجل هدمه انضوى الجميع تحت لواء الفعل الثورى.

 و بالتوازى ،يبقى منوطا بالمصريين ألا يجعلوا من مطلبهم الملح لترشح المشير السيسي للرئاسة، بوصفه منقذا ومخلصا، مسوغا لإعادة إنتاج فرعون سياسي جديد أو ترسيخ مبدأ عبادة الفرد. ولست أرى بداية على هذا الدرب أفضل من تأكيد قيم المحاسبة السياسية الدقيقة والرقابة الشعبية الصارمة على السلطات الحاكمة، وضمان وصول الرجل إلى سدة الرئاسة عبر انتخابات رئاسية تعددية تنافسية لا تنقصها النزاهة أو تعوزها الشفافية، بحيث يفسح المجال أمام أى مرشحين منافسين تتوفر بهم شروط الترشح، وأن يتوقف الإعلام الفلولى والموجه عن حرب تكسير العظام وحملات الإغتيال المعنوى لراغبى خوض السباق الرئاسي المرتقب من شتى التيارات السياسية ومختلف المشارب الفكرية.

وحرى بالمشير السيسي أن يسعى جاهدا لبلورة برنامج انتخابى رئاسي متكامل وواقعى وقابل للتطبيق، بحيث يتضمن من الآليات ما يتيح العروج بالبلاد والعباد إلى حيث يتطلعون، وأن يرقى بنهجه فى إدارة مصر، حالة فوزه، إلى ذلك المستوى المرتفع لتطلعات الجماهير، من خلال إرساء دعائم نظام ديمقراطى يستوعب الجميع، وبناء دولة مدنية قوية متقدمة، تحظى بحضور إقليمى بارز ومكانة عالمية تليق بتاريخها وجغرافيتها وإمكانات شعبها، على غرار ما سبق وفعل كل من أيزنهاور وديجول لبلديهما.

 وأجدر ب”الرئيس”السيسي أخيرا أن يبذل قصارى جهده لكبح جماح لوبى الإعلام المغرض الذى لا يتورع عن تنفيذ أجندات داخلية وخارجية تتوخى توريط البلاد، حكومة وشعبا، من خلال أداء موجه وغير مهنى، فيما لا تحمد عقباه، وألا يدخر وسعا فى تطهير نظامه المرتقب بحيث لا يقع فى براثن الطفيليين وطالبى السلطة والنفوذ من أصحاب المصالح الشخصية الذين لن يتورعوا عن توخى كافة السبل الممكنة لاستعادة نفوذهم ومغانمهم، التى توارت جزئيا ومرحليا بسقوط مبارك، سواء من خلال إجهاض الثورة وتقويض مساعى التوافق الوطنى وبث الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، أو عبر التعاون والتواطؤ مع خصوم الرئيس الجديد وأعداء الوطن الناهض لتحويل الزعيم الوطنى الواعد إلى مبارك جديد،وإن بنسخة محدثة.

التعليقات