كتاب 11

10:05 صباحًا EEST

مصر جديدة.. وجماعة قديمة!

لا تصدق حين تشاهد حشود المصريين أمام لجان الاقتراع في الانتخابات الرئاسية أن أحداً أو جهة دفعتهم أو دفعت لهم أو ضغطت عليهم أو خدعتهم ليفعلوا ذلك، فالمصريون ليسوا قطيعاً أو أعضاء في جماعة أو مغيبين يتحركون بإشارة من «مرشد» أو تعليمات من «أمير». ولاحظ أن مواقف الأحزاب والقوى السياسية منذ سقوط نظام مبارك كانت دائماً تالية أو قل «راكبة» لموجة التوجهات الشعبية، وأن النخبة السياسية غالباً لا تتحرك بحسب قناعاتها السياسية، وإنما تلحق بتيار الجماهير وتسير في مساراته. وثق أن انتخابات تُرَاقَب بواسطة عشرات المنظمات الحقوقية المحلية وأخرى خارجية، بحجم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والكوميسا ومعهد كارتر، ستكون انتخابات جادة حقيقية حتى لو شهدت تجاوزات بحكم التراث والتعود.

ولا تستغرب من امتزاج طوابير المصريين واحتشادهم أمام لجان الاقتراع، أثناء أدائهم واجبهم في الانتخابات الرئاسية، بمشاهد الفرح التي تصل إلى حد الرقص والتصفيق والغناء. فالمصريون يحتفلون بما يعتقدون أنه بداية لعهد جديد يأملون فيه بأن تتغير أحوالهم، وتتبدل أوضاعهم، ويبدأون السير في طريق يحققون فيه ما تمنونه طويلاً، خصوصاً عندما وصلت طموحاتهم الذروة في ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 قبل أن يصابوا بالإحباط والخيبة والصدمة مع حكم «الإخوان» لمدة سنة، كانت البلاد تتجه فيها بسرعة الصاروخ نحو الماضي وإلى الخلف. ولأن «الإخوان» سعوا بعد عزل رئيسهم وخلع حكمهم إلى هدم البلد على من فيه، فإن المصريين أرادوا بالمبالغة في مظاهر الفرح توصيل رسالة إلى الجماعة وحلفائها في الداخل وداعميها في الخارج مفادها أن على الجماعة أن تُقر بالفشل، وأن تعترف بالهزيمة، وأن تدرك أن مصر تخرج من الأزمة في حين يغرق «الإخوان» في أزمتهم.

بالاستحقاق الرئاسي تتجه مصر إلى تحقيق الخطوة الثانية من خارطة المستقبل السياسية بعد إقرار الدستور، ويوجه المصريون الضربة الثانية الموجعة لـ «الإخوان»، وما المشاركة الواسعة في الانتخابات إلا عاكسة لرغبة عارمة في إظهار أن إسقاط مرسي وجماعته لم يكن استجابة لجهة أو شخص وإنما كرد فعل طبيعي من شعب رضى بحكم «الإخوان» لكن هؤلاء لم يرضوا به!

وبينما يتعقد المشهد ويرتبك في دول الربيع العربي فإن الانتخابات الرئاسية المصرية ستفضي إلى مصر جديدة تتجه نحو المستقبل حتى لو ظلت جماعة «الإخوان»، وقد تجاوزها الزمن، على حالها تبكي على لبن مسكوب ورئيس في السجن وشرعية أسقطها شعب.

عموماً فإن كل المؤشرات تؤكد أن مصر تتغير، بينما تسير الجماعة على نهجها دون أن تعدل آلياتها وأساليبها، ويبدو قادتها وكأنهم يسعون إلى تأكيد النظرية التي تذهب إلى أن الجماعة يجب أن تُكسر لتدخل بعدها في سنوات كمون حتى تصدق هزيمتها، وينقلب شبابها على قادتها، وقطعانها على مكتب إرشادها. أما لماذا جاءت ردود فعل الجماعة حادة وصاخبة وعنيفة في صراعها مع الدولة بدرجة تفوق كثيراً سلوكها في صدامها مع عبد الناصر، فإن الفارق هنا أن «الإخوان» حكموا مصر بالفعل، بينما في العهد الناصري كان أقصى ما تمنونه أن يشاركوا ولو بقدر ضئيل وبنصيب محدود في كعكة الحكم. وليس سراً أن قدراً كبيراً من شعبية السيسي حصل عليه الرجل باعتباره مُخلِّص مصر من «الإخوان» الذين تجاوزوا بعد سقوط نظام مبارك مراحل الاستكانة إلى الصدام مع شخص أو فئة أو جهة عارضت حكمهم، بل وصل الأمر إلى حد انقلاب الجماعة على حلفائها الذين ناصروها وأيدوا ترشيح محمد مرسي نكاية في منافسه الفريق أحمد شفيق. بعد عقد واحد من الزمن وبعد إعدام سيد قطب خرج «الإخوان» إلى النور، ومارسوا السياسة بتوافق مع السادات ثم مبارك، ونَمَت الجماعة وأموالها وعلاقتها في الداخل والخارج، بينما كانت مصر تتجه بسرعة نحو مشاكل اجتماعية واقتصادية. وفي حين كانت مشروعات رجال أعمال الجماعة تتوسع وتحقق أرباحاً كانت أوضاع المواطن المصري تسوء وتحقق مزيداً من الفقر!! وعندما تهيأت الظروف وحكم «الإخوان» مصر وجد هذا المواطن أنه خارج حساباتهم، وأنه استُغل فقط ولسنوات من أجل أن تقفز الجماعة وتهبط على مقاعد السلطة والنفوذ. صحيح هناك أشخاص وقوى تعارض العملية السياسية الحاصلة الآن في مصر كحركة «6 أبريل» أو بعض اليساريين والاشتراكيين، أو من يطلقون على أنفسهم صفة «شباب الثورة» ويسعى «الإخوان» إلى التواصل معهم وعقد تحالفات مع رموزهم دون أن تدرك الجماعة أن هؤلاء، وإن عارضوا السيسي، إلا أنهم كانوا أكثر من تعرضوا للضرر أثناء حكم مرسي. بعد أقل من عشرة أيام سيُعلن رسمياً اسم الرئيس الجديد لمصر الجديدة، بينما «الإخوان» وأنصارهم ليس لديهم أي جديد!

التعليقات