كتاب 11

07:53 صباحًا EEST

السلاطين وغرام «الإخوان» والحرب المفتوحة

لم أقرأ ولم أسمع عن حالات من التبعية الفكرية والحزبية أكثر مما يلمس على الساحة العربية اليوم، وغريب أمر الاجترار المتراكم من ثقافة التأثر والتأثير والاتهام، فهذا من «ذيول الاحتلال العثماني» وذاك من «ذيول الاحتلال الصفوي»، ولم تساعد الثقافات الحضارية الحقيقية «المستوردة» هؤلاء في التخلي عن اجترار موروث كله سلبي وكله خاسر وكله يعطي دلالات غياب الشخصية الوطنية، رغم عيشهم في منطقة حضارات كبيرة، حتى لو غبرت وطواها التاريخ. وها هو «الغرام» الإخواني – السلطاني يعم المنطقة ويؤثر سلبا على أمنها واستقرارها ومستقبلها، ويفتح أبواب الصراع مع الآخرين، وكأن الإمبراطوريات العربية الغابرة تنازع السقوط اليوم!

لم تترك القدرة النووية التدميرية فرصة لنشوب حرب عالمية ثالثة بمفهومها التقليدي، غير أن الحرب الثالثة من طراز خاص قائمة الآن، ولسوء حظ المعنيين فإنها مرشحة لتتسع، إن لم تتضافر جهود القوى الديمقراطية. ولننظر إلى ما حدث في مصر، فقد ظن «الإخوان» أنهم قادرون على تغيير المعادلات والسيطرة على مفاصل الدولة، متناسين أن الثورة الثقافية المصرية خلال ستة عقود كانت مشحونة بالفكر القومي والقيادي والعسكري، فضلا عن أن تهديدهم لحياة الرئيس جمال عبد الناصر ومحاولتهم اغتياله دفعته إلى بناء أجهزة أمن واستخبارات رصدت كل صغيرة وكبيرة عنهم، وأخذ من جاء من بعده طرق التعامل مع حركات التطرف والتخلف بجدية حافظت على استقرار وتماسك أجهزة حماية الشعب.

وظهر أن المشير الرئيس السيسي قد درس حالة الصراع مع «الإخوان»، وتوصل إلى قياسات محددة وواضحة للصراع وأدرك طريقة التناغم الجماهيري. أما الإخوان فلم يتحسبوا إلى أن تبنيهم لنظرية المؤامرة جعلهم في حالة عجز أمام مهارات أجهزة الأمن والاستخبارات المدركة لأبعاد المؤامرات كلها. فتحركت «أفكار السلطنة» للوقوف ضد إرادة الشعب المثقف، مما زاد من ردود الفعل العربية والعالمية تجاه التحرك الدولي «للإخوان»، الذين أصبحوا في وضع لا يحسدون عليه. وتحرك الشعب التونسي لإعادة الاعتبار لثورة الفقراء والمثقفين، فأصبحت تجربة المشير السيسي درسا للقوات المسلحة خارج مصر ولحركات الردة المتخلفة.

ويبدو أن المعنيين في «الغزل السلطاني» لم يدركوا خطورة الموقف، ولم يؤمنوا بأن زمن الولايات من الموصل إلى البصرة قد ولى، فذلك زمن غابر لم يجنِ منه العراقيون غير التخلف عن ركب الأمم، وتدمير حضاراتهم السابقة التي لم يبق احتلال الإمبراطوريتين الشرقية والشمالية منها شيئا. ولكنهم ليسوا مستعدين للتوقف – وفقا لما تشير إليه أقوالهم – قبل أن ترتفع أضرار البلد الذي ابتلي بهم، وعندئذ سيشعرون ببؤس أفكارهم وخطل حساباتهم. وليتهم يكتفون بما جنوا، فاللعبة أكبر منهم كثيرا، ومن مصلحتهم عدم الدخول في حرب مفتوحة مع الشعوب والحضارة، لا سيما أن تاريخهم ومؤهلاتهم ومواقف الأمم تجاههم لا تسمح بتمرير نياتهم.

إن أمام الإعلام النزيه مهمة كبيرة، وهي الوقوف إلى جانب قوى الديمقراطية والاعتدال، وتقديم النصح إلى الحالمين بزعامات وهمية على مستوى الدول الإسلامية بوقف تدخلاتهم في شؤون العرب، بعد أن عجزوا عن إيجاد مواطئ قدم لهم في الدول الإسلامية، ومن حق المثقفين العرب الشعور بالاستغراب كيف يجد هؤلاء من يتناغم معهم عن جهل ومصلحية! فرغم كل المشاريع الوطنية وحتى «الثورجية» لا يزال هناك متخلفون كأنهم كانوا في سبات عميق، بقوا على استعداد للوقوع في شراك الوهم والادعاءات السياسية الفارغة وتنظيرات الأحلام البائسة، على شاكلة الأوهام التي أضافت نفط الكويت إلى الثروات العراقية لكسب تأييد البسطاء والأميين.

ومن المثير للشفقة والابتئاس معا، أن يرى بعض السياسيين الجدد في العراق والبرلمانيين خاصة، في زعامة دولة غارقة في مسلسل من المعضلات والاحتجاجات الشعبية وتضم الكثير من «المكونات» التي تشعر بالغبن الثقافي والسياسي والهيمنة الحزبية، ملاذا أيام الشدة والأزمات، في عملية إغماض للعيون عما أصاب أشقاءهم. ولولا النظام الانتخابي المناطقي لكانت فرص فوز هؤلاء قليلة للغاية، وما يثبت هذه الحقيقة جاء من بغداد خلال الانتخابات الأخيرة. غير أن ما حدث في شمال أفريقيا يدل بشكل قاطع على أن مسيرة التطور لا يمكن وقفها، وما آمال العودة إلى ماضي السلطنات «الإمبراطورية الغابرة» إلا هراء، ومن يريد أن يكون سلطانا فعلى بلده وحده لا أكثر، وبإرادة الناس، فتلك مسألة داخلية.

التعليقات