كتاب 11

07:25 صباحًا EEST

الانتخابات المصرية: ضربة أخرى لـ «الإخوان»

هل أجريت انتخابات الرئاسة المصرية وفقاً للمعايير الدولية التي تضمن الشفافية والنزاهة وعدم التزوير أو تزييف إرادة الناخبين؟ عند الإجابة بالطبع من «الإخوان» وأنصارهم وداعميهم أفراداً وجهات ودولاً، فالانتخابات ونتائجها بالنسبة لهم جميعاً مهزلة وتزوير ومسرحية. أما شهادات منظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية المصرية فيسهل المزايدات عليها، والادعاء بتحالف بعضها مع السلطة! لكن بشهادة جهات خارجية راقبت الانتخابات، كالاتحادين الأوروبي والأفريقي ومنظمة «كوميسا» وتجمع الساحل والصحراء، فإن الانتخابات تمت في نزاهة، ونتائجها عبرت عن إرادة الشعب المصري.

هل جرت خروقات ووقعت تجاوزت؟ بكل تأكيد نعم، لكنها بحسب كل الأطراف، بما فيها حملة حمدين صباحي، لم تكن لتؤثر في النتائج. أما لماذا أصيب الإعلاميون المعادون لـ «الإخوان» تحديداً بالفزع، فخرجوا على قواعد المهنية وصرخوا عبر برامجهم على الفضائيات المصرية واتهم بعضهم الناس بالتخاذل وتوعد آخرون منهم الشعب بأن حكم «الإخوان» قادم إذا لم يخرجوا من بيوتهم ويتوجهوا إلى لجان الاقتراع، فلسببين: الأول يتعلق بغياب المعلومات عنهم بأن خبرة الانتخابات المتتالية جعلت اللجنة القضائية المشرفة على العملية تتخذ إجراءات سرعت من إدلاء الناس بأصواتهم، فلا يحتاج الأمر إلى أكثر من دقيقة بينما كان يستغرق أكثر من ربع ساعة لكل ناخب في الاستحقاقات السابقة. والثاني أن الإعلاميين سيطر عليهم قلق وتوتر وشعور بخطورة أن يأتي رئيس بشعبية وأصوات تقل عن مرسي، هم عاشوا أجواء صراع أقرب إلى الحرب بين فريقين، وليس مجرد منافسة انتخابية. والإعلاميون وضعوا ميثاقاً غير مكتوب بينهم لاختيار رئيس يفوق مرسي في عدد الأصوات «واشتغلوا على كده» وحرصوا على إشعار الناس بالخطر… تماماً كما في كرة القدم: شجع بأي أسلوب لأنه لن تبقى في النهاية سوى الأرقام والنتائج.

عموماً أظهرت الانتخابات أن الحملتين كان لديهما أخطاء جوهرية في الحشد، حيث الاهتمام بالتكسير أي النيل من المنافس (كما في حملة حمدين) على حساب حشد الناخبين، أو الانشغال بالرد على التكسير، أو الاعتماد على الشعبية والقبول والوهج الذي يتمتع به المرشح من دون الاهتمام الكافي بالحشد، كما في حملة السيسي.

علاوة على أن مسألة إعلان نتائج الخارج بينت أن السيسي ناجح ناجح، وأظهرت أنه ليس هناك معركة تنافسية، والمهم أن الانتخابات كشفت حجم الفراغ السياسي الذي تعانيه مصر، فلا توجد قوى سياسية وراء المرشحين. الحزب الوطني كان لديه سماسرة انتخابات، و»الإخوان» كان لديهم إغراءات (زيت وسكر وخلافه) بينما السيسي وحمدين ليس لديهما تنظيمات سياسية حقيقية وإنما مواطن لديه أمل في الخروج بالبلاد من المرحلة الحالية. وأظهرت الانتخابات بعض الاعتقادات الخاطئة: أن القبائل لديها قدرة على الحشد، أو أن الطرق الصوفية مؤثرة، أو أن الفضائيات تشكل الرأي العام، فلو لم يكن لدى الناس دوافع فإنهم لا يتحركون.

السيسي قدم نفسه كرجل دولة في 30 حزيران (يونيو) و3 و26 تموز (يوليو) وحصل على الشعبية، لكن الحفاظ عليها والتحفيز يحتاج إلى شغل وعمل، خصوصاً في ظل حرب التكسير التي تعرض لها الرجل من التنظيم الدولي للإخوان وكارهي الجيش من «الثورجية» وجهات خارجية بينها دول كقطر وتركيا. لم يعمل داخل مصر للحفاظ على شعبية الرجل إلا الإعلام الذي يخطئ أحياناً ويمنح مجاناً المشككين الفرصة و»الإخوان» المادة التي تمكنهم من مواصلة العمل على إفشال العملية السياسية.

لاحظ أيضاً أن الفترة كانت طويلة جداً، سنة كاملة من 30 حزيران (يونيو) حتى الآن، كان طبيعياً أن ينخفض فيها وهج شعبية الرجل مع محاولات حرقه، وكذلك الظروف الحياتية الصعبة التي عانى منها الشعب المصري تحت وطأة الفعل الثوري المستمر!!

عموماً انتهت الخطوة الثانية من خريطة الطريق السياسية، وتلقى التنظيم الدولي للإخوان الضربة الموجعة الثانية، بينما حلفاؤه ما زالوا على مواقفهم داعمين المستحيل، وتكفي الإشارة إلى أن الانتخابات مرت في سلام، ولم يعكر صفوها تهديدات الإخوان أو وعيد «أنصار بيت المقدس»، وسريعاً ستحتل المرحلة الثالثة والأخيرة من خريطة الطريق مكانها، إذ يتعين قبل منتصف تموز (يوليو) المقبل، ووفقاً للدستور، أن تبدأ إجراءات الانتخابات البرلمانية التي ستشهد بالتأكيد صراعاً آخر، أو قل أخيراً، بين الدولة بنظامها السياسي ورئيسها وقوى المعارضة فيها من جهة وبين الإخوان وأنصارهم من جهة أخرى، وحتى يأتي موعدها سيظل الحديث عن تزوير الانتخابات الرئاسية تلوكه ألسنة بعضهم من كارهي الدولة المصرية، بينما المتهمون بالتزوير، وهم بالملايين، يحتفلون كل يوم في الميادين والشوارع حين ينام «الإخوان» يحلمون بمرسي يعود في غضون يومين إلى مقعده الرئاسي!

التعليقات