كتاب 11

07:16 صباحًا EEST

مصر ليست وحدها

 مرة أخرى يثبت شعب مصر وعيه الكامل بطبيعة المعركة التي تخوضها البلاد ضد المتآمرين علىها. مساء الثلاثاء الماضي أعلنت اللجنة العليا للانتخابات النتائج الرسمية لانتخابات الرئاسة. وهي فوز المشير السيسي بأغلبية ساحقة. ومع ذلك ما إن تم إعلان النتائج رسمياً حتى امتلأت ميادين التحرير في القاهرة وعواصم المحافظات بملايين المواطنين الذين ظلوا يحتفلون حتى الساعات الأولى من الصباح.

كان التحرك العفوي من ملايين المواطنين هو رد الفعل على المزاعم المسمومة بأن الانتخابات كانت انتخابات الصناديق الفارغة، وأن الحضور كان متدنياً، وأن أغلبية المواطنين انصرفت عن الانتخابات أو قاطعتها. كانت الملايين التي خرجت للاحتفال مساء الثلاثاء تقول إنها هي التي اختارت رئيسها وليس «اللهو الخفي»..

وأن النسبة الكبيرة التي حصل علىها السيسي لا تمنع التقدير الكامل لأداء منافسة حمدين الذي خاض المعركة بشجاعة وبأقل إمكانيات، وأكسب المنافسة جدية واحتراماً شديدين، وقاد المعركة في طريق تأكيد مبادئ الثورة من عدالة وحرية وكرامة واستقلال وطني. وهو دور استحق تحية الجميع بمن فيهم الرئيس السيسي في أول خطاب له بعد الاعلان الرسمي للنتيجة.

واليوم.. يقسم الرئيس السيسي اليمين الدستورية ويتسلم مهام منصبه في ظروف نعلم جميعاً مدى دقتها. وسوف يلقي خطاباً هاماً يؤكد فيه على ضرورة العمل الجاد من أجل بناء الدولة القوية العادلة صاحبة الإرادة الحرة والقرار المستقل. والدولة القوية هنا لا تعني الدولة المستبدة، ولكن التي يحكمها القانون ولا تسودها الفوضى أو تسمح بعربدة عصابات الإرهاب التي لا حل معها إلا الاستئصال الكامل.

وهي أيضاً الدولة التي تستكمل مؤسساتها الدستورية وتحمي الحريات وتعرف أن المعارضة جزء من الدولة وشريك في الحكم، وأن الأمر في البداية والنهاية يرجع للشعب الذي يختار بحرية ويفرض إرادته على الجميع. والدولة العادلة تعني استيعاب دروس الماضي وخاصة في السنوات الأخيرة من حكم مبارك حيث كانت هناك نسبة نمو اقتصادي عالية (بلغت حوالي 7%) ولكنها ضاعت بسبب الفساد.

السيسي يستوعب التجربة جيداً، ولذلك فإن إجراءات عاجلة لتحقيق العدالة الاجتماعية ستكون متوقعة، وهي ترتبط بأمور أخرى أولها ضرورة تحقيق الاستقرار ودعم الاستثمار بكل الوسائل، وفي المقابل توزيع الأعباء بعدالة بحيث يتحمل القادرون الجزء الأكبر منها.

والضلع الثالث في بناء الدولة الحديثة المصرية هو استقلال القرار ورفض التبعية، وأظن أن تجربة العام الماضي قد أثبتت للإدارة الأمريكية وحلفائها أن الزمن الذي كانت فيه مصائر مصر والعرب تتحدد في عواصم الخارج قد انتهى.

ولاشك أن موقف الإمارات والسعودية وباقي الأشقاء العرب في دعم مصر بعد 30 يونيو كان عاملاً حاسماً في تغيير موازين القوى في المنطقة كلها. واليوم حين تجدد السعودية والإمارات وقوفهما إلى جانب مصر، وتتم الدعوة لمؤتمر مساندة مصر اقتصاديا، ويعلن العاهل السعودي أن المساس بمصر هو مساس بالعروبة والإسلام، ويحذر من التدخل في شئونها الداخلية..

وحين يؤكد رئيس دولة الإمارات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد ونائب رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن الإمارات ماضية في دعم مصر على كل المستويات والوقوف بجانبها في كل الظروف. فإننا بذلك كله نكون قد تجاوزنا موقف ردود الفعل التي تعود العالم العربي عليها، إلى موقف الفعل الذي ينطلق من استراتيجية واضحة …

وهي أن أمن مصر والخليج العربي لا ينفصلان، وأن على من حاكوا المؤامرة لإسقاط مصر باعتبارها حائط الصد الأخير عن الأمن القومي العربي. أن يراجعوا مواقفهم. وان يدركوا أن 30 يونيو كان فارقاً بين عهدين في علاقاتهم بدول المنطقة كلها.

اليوم تنطلق مصر في مرحلة جديدة من تاريخها تحت قيادة الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي، ورغم المشاكل والتحديات، فإن الآمال كبيرة في تجاوزها اعتماداً على وحدة الشعب في مصر وراء قيادته، وعلى الدعم الكبير من الأشقاء وخاصة في الإمارات والسعودية. ولكن علينا وسط هذه الآمال كلها أن نتذكر ان سلطات الرئيس وفقاً للدستور لم تعد كما كانت قبل ذلك.

وأن مجلس النواب الذي تأتي انتخاباته خلال بضعة شهور سوف يكون شريكاً أساسياً في الحكم. حيث سيكون من سلطاته الموافقة على برنامج الحكومة ومنحها الثقة أو حجبها عنها أو تعديلها، بالإضافة إلى المهام الأساسية الأخرى في الرقابة والتشريع، ووصولاً إلى الحق في سحب الثقة من رئيس الجمهورية نفسه وإجراء انتخابات مبكرة. وإذا كان النقاش مازال يدور حول القانون الخاص بانتخابات مجلس النواب.

ومع كل التحديات الأمنية والاقتصادية الخطيرة التي تواجهها مصر مع الرئيس الجديد، فإن قضية مجلس النواب الجديد ينبغي أن تحظى بكل اهتمام حتى يكون البرلمان الجديد مع الرئيس السيسي فريق عمل يستطيع إنجاز المهمة الصعبة التي تنتظر مصر. بعض ما يطمئن هنا أن القوى الوطنية قد استوعبت الدرس الذي تلقته حين سرقت الثورة بعد 25 يناير ..

وكادت مصر كلها تضيع على يد إخوان الارهاب. وكذلك أن الرئيس السيسي قد تنبه إلى محاولات بعض القوى التي مارست الفساد السياسي والاقتصادي أو التي تعودت على الانتهازية أن تخترق حملته الانتخابية، وأعلن أنه لا عودة للماضي…

وأنه ليس لديه «فواتير» ليسددها لأحد إلا للشعب الذي أعطاه ثقته. المطلوب بسرعة أن تتجاوز القوى الوطنية أي آثار سلبية لمعركة الرئاسة، وأن تبدأ على الفور في توحيد صفوفها لعبور المرحلة الصعبة القادمة، ولعل تحية الرئيس السيسي لمنافسه حمدين صباحي في أول خطاب له، وتهنئة حمدين للرئيس تفتحان الباب للتعاون مطلوب ويسد الطريق على أي محاولة لسرقة الثورة من جديد.. سواء من فلول الماضي أو من اخوان الارهاب!

التعليقات