كتاب 11

05:31 صباحًا EET

كيف تقطّع الكعكة؟

جل ما يجري في دنيا الشرق الأوسط يدور حول اقتسام الكعكة، ثروة البلد ووارداته. حتى المستر كيري، وزير الخارجية الأميركي، نصح الحكومة العراقية بضرورة إعادة تقسيمها بإعطاء السنة حصة أكبر.

وقد تستجيب لهذا الطلب طمعا في تدخل الأميركان لحمايتها، فتعين عددا آخر من السنة وزراء في الحكومة. وهذه جهالة وسذاجة أخرى من العم سام. مشكلة الشرق الأوسط هي أن معظم شعوب المنطقة، وليس مسؤوليها، لا تحصل على النصيب العادل من الكعكة. يتقاسمها سادة القوم فيما بينهم. وهو ما سيجري حسب نصيحة الأميركان هذه.
أصبحت الطبقة المتوسطة التي آلت الأمور بيدها، تعتمد في معيشتها على المناصب والوظائف، خير طريقة لكسب العيش بالكسل والارتشاء. يشكو أبناء السنة في العراق الآن أنهم أصبحوا مهمشين في هذا السباق. فطن النظام الملكي إلى هذه المشكلة فعالجها أولا بدقة وسلامة امتحانات البكالوريا. ثم حصر دخول الكليات ونيل البعثات حسب درجات التلميذ. وكان يجري ذلك بشفافية تامة. 
ثم قام النظام بالخطوة الجبارة في أواخر أيامه. أقام مجلس الخدمة المكلف شؤون تعيينات وترقيات وعقوبات الموظفين. اختير أعضاء المجلس من عدد من القضاة (وكان القضاء العراقي في تلك الأيام مفخرة نادرة) وآخرين من الخبراء والتكنوقراط. حرص النظام على سرية أسمائهم. فإذا ما اقتضت الحاجة لموظف، تعين على الوزير أو المدير أن يُشعِر مجلس الخدمة بهذه الحاجة، فلم يعد من حقه تعيين أي أحد. يقوم المجلس عندئذ بالإعلان عن الوظيفة وشروطها ومتطلباتها. يقدم الراغبون عرائضهم مع سائر ما لديهم من شهادات وخبرات ومؤهلات. يختار المجلس الأشخاص المؤهلين ثم يخضعهم لامتحان مهني. يصحح أجوبتهم أشخاص من خارج المجلس. تجري كل هذه العمليات بسرية تامة. ينظر المجلس في النتائج ويختار الفائز ويرشحه للوزير المحتاج للوظيفة. وكان من اختصاص المجلس أيضا النظر في كل شؤون الموظفين، بما فيها شكوى أي واحد منهم.
يضمن هذا التنظيم حصول الدولة على موظفين حسب الكفاءة والمؤهلات، وليس حسب الطائفة أو الانتماء الاثني أو المحاصصة. وفي الوقت عينه، يزيل مشاعر الاضطهاد والتهميش والتظلم، فلا يشعر مواطن بالحرمان لأي سبب من الأسباب فينحدر للانتقام والتآمر، والثورة أو الهجرة. العدل أساس الملك، واقتسام الكعكة بالعدل أساس العدل. وهذا يعني اقتسام الوظائف والامتيازات حسب الكفاءات والمؤهلات.
هذا ما حرص عليه النظام الملكي بالعراق في ظل الهيمنة البريطانية، بيد أن حضرات الضباط والعساكر لم يرُق لهم النظام فثاروا وأسقطوه. وكان من أولى خطواتهم عند تسلم الحكم، إلغاء العمل بـ«مجلس الخدمة» وبدأت مسيرة الفساد. ولي خبرتي الخاصة في كلا الميدانين. لقد نلت البعثة الدراسية ثم حصلت على وظيفتي بفضل النظام الأول، ثم ذقت التهميش والمظلمة في ظل النظام العسكري، فهجرت بلدي. يتوقف الكثير من مشاكلنا على معاناة أبناء الطبقة المتوسطة في تقسيم الكعكة.

التعليقات