كتاب 11

11:24 صباحًا EET

مصر والجزائر.. مهمة إنقاذ مطلوبة

كان طبيعياً أن تتركز الأنظار داخل مصر على ما أعلنه الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي من بدء مرحلة للتقشف والتضحيات لعبور الأزمة الاقتصادية وإعادة بناء الوطن، وما ترافق مع ذلك من إعلان السيسي البدء بنفسه والتنازل عن نصف راتبه (لا يتجاوز الراتب ما يعادل ستة آلاف دولار شهرياً) وكذلك تنازله عن نصف ما يمتلكه وما ورثه لصالح الدولة.

كان طبيعياً أن تتركز الأنظار على هذا الجانب من حديث السيسي، خاصة أنه أشار إلى تعذر الاستجابة للمطالب الفئوية في هذه الفترة الصعبة، وطالب الجميع بأن يتحملوا آثار التعديلات التي طلبها في الميزانية، كما طالب رجال الأعمال بأن يقدموا للوطن كما أخذوا منه، وقد بدأ الكثيرون من رجال الأعمال في تقديم تبرعات كبيرة يمكن أن تساعد الدولة وتخفف من اعباء السياسات الاقتصادية الجديدة على محدودي الدخل. جانب آخر مهم جاء في حديث السيسي بصورة مختصرة ولكنها لها الكثير من الدلالات.

قال السيسي «إن مصر والمنطقة العربية كلها أمانة في أعناقنا جميعاً، ونحن قادرون على حفظ الأمانة». ويأتي هذا التأكيد على وحدة مصير مصر والعرب في ظل أخطار تهدد المنطقة كلها ومع تدهور الأوضاع في العراق وانتشار عصابات الإرهاب كالوباء في أنحاء الوطن العربي.

كما يأتي هذا التأكيد بعد أيام من الزيارة المهمة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله للقاهرة ولقائه بالرئيس السيسي الذي كان قد وعد بأن تكون زيارته للسعودية هي الأولى بعد انتخابه، لكن العاهل السعودي رأى ان يبادر بالزيارة لتأكيد المساندة العربية لمصر. كما يأتي هذا التأكيد بعد زيارة عاجلة قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري للقاهرة عكست طبيعة العلاقات المعقدة بين البلدين في هذه المرحلة.

فقد سبقتها تهديدات في الكونغرس بخفض المعونة العسكرية والاقتصادية بمقدار 400 مليون دولار. كما سبقها قرار من الإدارة الأميركية بالإفراج عن اكثر من نصف مليار كان قد تم تجميدها من المعونة، ورافقها حديث من كيري عن قرب تسليم طائرات «الأباتشي» التي عطلت واشنطن تسليمها للقاهرة رغم معرفتها بأنها سلاح أساس في مطاردة جماعات الإرهاب خاصة في منطقة سيناء.

أميركا التي اصطفت مع «الإخوان» وراهنت عليهم، والتي اكتفت بإرسال أحد موظفي الخارجية لتمثيلها في احتفالات تولي السيسي السلطة، تضطر لإرسال وزير خارجيتها للقاهرة بعد أيام من ممارسة السيسي لمهام منصبه، وتضطر الخارجية الأميركية للتأكيد على أن «التخوف حول بعض النقاط الخاصة بحقوق الإنسان في مصر لا يتعارض مع التحالف والشراكة الاستراتيجية مع القاهرة التي تعد محورية للدبلوماسية الأميركية في العالم العربي».

في اليوم التالي لتصريحات السيسي التي أكد فيها أن أمن المنطقة العربية (مثل أمن مصر) أمانة لا بد من الوفاء بها. سافر إلى الجزائر وهو في طريقه للمشاركة في القمة الإفريقية بعد أن استعادت مصر مكانها في الاتحاد الإفريقي، وهي زيارة بالغة الأهمية في هذا الوقت بالذات، وبعد ان تجاوز القطران الشقيقان كل التوترات التي حدثت في عهد مبارك..

والتي كانت مرشحة للتزايد في عهد حكم «الإخوان» ومع موقف تنظيمهم العالمي السلبي من الحكم في الجزائر. وتخطو العلاقات بين البلدين الشقيقين خطوات جيدة للأمام منذ 30 يونيو. وكانت الجزائر سنداً لمصر في المعركة داخل الاتحاد الإفريقي، كما بدأ التعاون الاقتصادي يتزايد. لكن الأهم الآن ان القطرين يتشاركان مسؤولية مواجهة الإرهاب على حدودهما في ظل الفوضى التي تعم ليبيا.

التنسيق الأمني والسياسي والتعاون الاقتصادي بين مصر والجزائر الآن أمر في غاية الأهمية، ليس فقط لمواجهة الإرهاب الذي يهدد حدودهما، ولكن لتكوين حائط صد مع السعودية ودول الخليج وغيرها من الدول العربية الشقيقة الراغبة في درء الخطر، وفي بناء موقف عربي يوقف محاولة إغراق الوطن العربي في الحروب الطائفية وجعله ساحة للإرهاب.

في بعض ما نقرأ من دراسات لمقربين من دوائر صنع القرار في أميركا والغرب، نرى تمهيداً لما هو أخطر، حيث يقال إن أوروبا لم تصل لديمقراطيتها إلا بعد أن خاضت حروباً دينية لأكثر من مئتي عام، وأن ما يجري في العالم العربي الآن هو أمر طبيعي انتظاراً لميلاد قد يطول انتظاره لدول مدنية حديثة ولا بد أن يعبر على أنهر من الدماء. وينسى هؤلاء أن مخابرات بلادهم هي التي أخذت ابناءنا لتدربهم على الإرهاب في افغانستان، وأن أميركا، منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه جيوشها العراق بادعاءات كاذبة، لم تكن تنوي إقامة «نموذج للديمقراطية» يجري تعميمه في المنطقة كما ادعت، بل كانت تريد تدمير العراق جيشا ودولة..

وتقديم نموذج للطائفية تمهيدا لتقسيم العراق. لكن هذا كله لا يبرر مسؤوليتنا عما حدث، ولا يبرر أن نستمر في الغياب بينما المنطقة يتقرر مصيرها. لقاء مصر مع السعودية والإمارات ودول الخليج، ثم اللقاء مع الجزائر..

وتأكيد مصر، على لسان رئيسها، أن أمن المنطقة العربية أمانة لا بد من الوفاء بها، كل ذلك قد يكون نقاط ارتكاز لتنسيق عربي لا بد منه لوقف المؤامرة وإنهاء حالة الغياب العربي، والقضاء على خطر لن ينجو منه بلد عربي إذا تهاونا في مواجهته.

التعليقات