كتاب 11

12:30 مساءً EET

30 يونيو

مثلما كانت مظاهرات 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، والتي وصلت ذروتها في 11 فبراير (شباط) 2011، مفاجأة بحجمها وتداعياتها السياسية التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق مبارك، كانت مظاهرات 30 يونيو (حزيران) 2013 رغم شواهد التململ الجماهيري مفاجأة أيضا بحجمها الجماهيري وتداعياتها والتي بلغت ذروتها بإطاحة حكم «الإخوان» والرئيس الأسبق مرسي.

عام مر على 30 يونيو، التي تلاها عزل الرئيس السابق مرسي في 3 يوليو (تموز) بعد عام من الرئاسة المضطربة والانقسام العميق في المجتمع، وصدامات بين «الإخوان» وقوى كثيرة في المجتمع إضافة إلى مؤسسات الدولة، مع شواهد على أن صاحب القرار الحقيقي كان هو مكتب الإرشاد وليس الرئيس.

وعندما تولى مرسي الرئاسة لم يكن أحد يتوقع أن تنتهي حقبة أول رئيس إخواني بهذه السرعة في عام، وعلى العكس فإن كثيرين كانوا يقولون إن هذه هي حقبة الإسلام السياسي في المنطقة ممثلة بـ«الإخوان» باعتبارهم أكثر تنظيمات هذا التيار تمرسا وقوة، وأن أمامهم عقودا أو حتى مائة عام من الحكم.

كانت الخريطة توحي بذلك من تونس إلى مصر وليبيا وغزة، لذلك كان سقوط التنظيم الأم في مصر مدويا وصادما، رغم أن العد التنازلي بدأ يظهر مبكرا، وازداد مع الأيام الخلاف في مفهوم الدولة والعقد الاجتماعي الذي ترسخ في ذهن الناس، وبين مفهوم جماعة الإخوان، وهو ما كان واضحا حتى في ديباجة خطابات الرئيس المعزول التي كانت تبدأ بـ«أهلي وعشيرتي» بدلا من الديباجة المعروفة التي تعكس المفهوم الحديث لتنظيم العلاقة بين الرئاسة والناس في العقد الاجتماعي وهي «الإخوة المواطنون».

كلام كثير قيل ولا يزال يقال حول تدخل الجيش لعزل الرئيس الأسبق مرسي بعد المظاهرات الحاشدة، وكان هناك موقف غربي ولا يزال حول ما إذا كانت هذه ثورة أم انقلابا عسكريا، وهو أمر مفهوم في الثقافة السياسية الغربية التي ترفض تدخل الجيوش في السياسة، لكن على واقع الأرض في مصر كانت هناك حالة لها خصوصيتها، لم تكن مفهومة خارجيا، فلم يكن الجيش يملك ترف عدم التدخل وسط شواهد على أن البلاد يمكن أن تنزلق إلى ما يشبه الحرب الأهلية، كما أن العلاقة بين الناس والجيش لها إرث تاريخي من الثقة ربما يعود إلى عهد عرابي، كان يسمح للجمهور بطلب التدخل. ربما كان السيناريو المثالي هو رحيل مرسي في انتخابات مبكرة أو استفتاء، وهو ما رفضه، كما أنه لم تكن هناك رفاهية الوقت لانتظار ذلك في ضوء التدهور الشديد في الأوضاع والسير بسرعة شديدة نحو إفلاس الدولة بما يفتح الباب أمام فوضى عارمة، كانت نتائجها ستصبح كارثية في بلد يضم تسعين مليون نسمة، وكذلك على المنطقة كلها.

الفترة اللاحقة بكل أحداثها أصبحت تاريخا يُترك للمؤرخين تقييمه، لكن الدرس الأساسي فيها هو أن المجتمعات والدول عليها أن تخط طريقها بنفسها متحملة مسؤوليته باعتبارها أدرى بظروفها، وساعدت على ذلك مواقف دول عربية مثل السعودية والإمارات والكويت وقفت بقوة لمساعدة مصر التي استكملت بندين في خريطة الطريق هما الدستور وانتخابات الرئاسة التي جاءت بالسيسي بتفويض قوي.

وبمناسبة الحديث عن التاريخ فإنه ينبغي التذكير بأنه لا يعود إلى الوراء، وبالتالي فإن الحديث عن عودة أوضاع سابقة لا يستقيم مع المسار الذي يأخذه التاريخ عادة، فالحركات والتغييرات الاجتماعية الكبرى تحدث تغييرا في السلوك الاجتماعي حتى لو كان غير مرئي، وترتب حالات وأوضاعا جديدة، وهو ما يعني أن ما نشاهده في مصر هو فصل جديد في التاريخ وليس استنساخا لأوضاع سابقة. والنجاح يرتبط بشكل كبير بجدية النجاح في التقدم على صعيد معالجة الوضع الاقتصادي المختل، وقد يكون حجم التحدي وتراكمات المشاكل كبيرين، لكن ما يدعو للتفاؤل هو لغة الصراحة التي تتبعها الجمهورية الجديدة في الحديث عن المشاكل، والابتعاد عن لغة بيع الأوهام للناس.

التعليقات