كتاب 11

07:11 صباحًا EET

السيسي وسط النار

لم يفوت «الإخوان» الفرصة، وسريعاً حاولوا استثمار قرارات رفع أسعار الوقود والكهرباء في مصر، وتعمدوا تأليب الناس على نظام الحكم، وفي الركب سار بعض الناشطين، وهم دائماً يسيرون مع كل ركب مخالف. صحيح أن زيادة أسعار البنزين والسولار قوبلت بغضب من غالبية المواطنين البسطاء، لكن ذلك لا يعني أن حكم «الإخوان» كان وردياً، أو أن لدى الناشطين حلولاً لأي مشكلة. في السادس من كانون الأول (ديسمبر) 2012 اتخذ الرئيس المصري وقتها محمد مرسي القرار بقانون رقم 102 بتعديل ضريبة المبيعات، فأثار اعتراضات حتى قبل أن يطبق، وسريعاً تراجع مرسي وأوقف العمل بقراره بدعوى إعادة دراسته وتعديله.

وفي لقائه مع عدد من الصحافيين المصريين أمس رد الرئيس عبد الفتاح السيسي على سؤال حول المخاوف من تآكل شعبيته إزاء موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة، فرد باقتضاب: «وماذا ستفعل الشعبية إذا كانت ستضر البلد؟». وبينما اختلف المتخصصون كالعادة، فمنهم من اعتبر الأمر كارثياً، وآخرون وصفوه بالإجراء الثوري، فإن ما ساعد على تخفيف ردود فعل المواطنين أنهم لم يعيشوا في رفاهية قبل رفع الأسعار أصلاً، وأن الزيادة جاءت ضمن حزمة من إجراءات هدفها خفض العجز في الموازنة العامة بينها فرض ضرائب جديدة على الأرباح الاستثمارية في البورصة، وقانون لمنع الاحتكار وضبط المنافسة في الأسواق، وآخر تحديد الحد الأقصى للأجور، وثالث للتمويل العقاري، وكلها مطالب ظل الناشطون و»الإخوان» وكل من «ركب» الثورة ينادون بها ويؤكدون أهميتها ويقسمون أنهم لن يهدأوا إلا بعد أن تُولد على أياديهم.

عموماً لا تصدق أن «الإخوان» يمثلون خطراً على الحكم في مصر، فالزمن تجاوزهم ومعهم مناصروهم في الداخل أو داعموهم في الخارج، لا مجال لخلع نظام بواسطة الإرهاب، أو عزل رئيس عن طريق التفخيخ، أو الاستيلاء على السلطة من دون إرادة الشعب مهما فعلت الجماعة أو زاد الدعم المالي الذي تقدمه لها قطر، أو تكثفت المساندة الإعلامية الواسعة التي تحظى بها من قناة الجزيرة، أو عاونتها تركيا بثقلها السياسي وتأثيرها في أوروبا، ومهما تنوعت الضغوط الأميركية لإفساح مساحة يلعب فيها «الإخوان» في المستقبل. أما تلك التظاهرات المتناثرة في مصر مع كل مناسبة أو ذكرى حزينة لـ «الإخوان» أو المسيرات التي تجوب بعض الشوارع ليلاً ليصورها أحدهم ويبعث بالصور إلى الجزيرة، فلم تعد تمثل سوى خلفية بعيدة لمشهد آخر عن مصر جديدة من دون «إخوان»، فالحياة تسير وإن كانت صعبة، لكنها بالنسبة لغالبية الشعب المصري أفضل كثيراً من الحياة في تلك السنة التي حكم فيها محمد مرسي مصر.

أما الوجوه التي لمعت مع ثورة 25 يناير واشتهرت وانتشرت في الفضائيات والبرامج والإذاعات والمؤتمرات الدولية والحلقات النقاشية هنا وهناك وتحولت رموزاً للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والمناصب الحقوقية في الجمعيات المحلية والإقليمية والدولية، فلا تصدق أنهم ما زالوا يملكون القدرة على إقناع الناس، أو إسقاط نظام، أو حشد الآلاف في الشوارع والميادين، فغالبيتهم حرقوا أنفسهم باللعب على كل الأوتار، والأكل على كل الموائد، والتحالف مع الجيش ثم الانقلاب عليه، والتعامل مع «الإخوان» ثم المشي في جنازاتهم، والتحالف مع السيسي والتسخين ضده. عموماً قبل سنة من الآن كانت مصر مهددة بالتقسيم بعدما تحالف حاكمها مع دول وقوى خارجية موالية للجماعة أو داعمة لها أو مستغلة لانتهازيتها، ضد شعبه الذي ثار مجدداً وعزل الحاكم. قبلها وربما بعدها، وعلى مدى نحو ثلاث سنوات، بقيت الدولة لا تعمل إلا عند حدها الأدنى، وتقلص الإنتاج بكل صوره، وكادت تتوقف كل تروس الماكينات في المصانع، وتسد قنوات المياه، وتتوقف الاستثمارات الآتية من الخارج أو حتى من الداخل أيضاً… كل ذلك مع نشاط «الإخوان» التخريبي ومراهقة الناشطين السياسية. وعلى رغم أن السيسي لم يَعِد الناس بحياة وردية بل نبههم قبل الانتخابات إلى حياة صعبة لفترة، لأنه سيواجه تحديات أخرى في الطريق ليس بينها «الإخوان» أو الناشطون، فأمورهم محسومة، ولكن طموحات شعب أرهقته الحياة الصعبة وأنهكته الثورات المتتالية وأصبح يرغب في العيش هادئاً إذا توافرت له أصلاً أسس العيش الهادئ. لم يلجأ السيسي إلى أسلوب «اللف والدوران» وقال إن كل الحكومات السابقة كانت خائفة من نموذج تظاهرات 1977، ثم تساءل: إلى متى سنظل خائفين والبلد تتآكل من الديون؟ نعم سيشكو الناس من غياب آليات لمراقبة الأسواق، والسيسي نفسه اعترف بغيابها، ستستمر الحياة صعبة لفترة حتى تحدث انفراجة وينصلح الحال. وإلى ذلك الحين سيواصل «الإخوان» الحرق والأسعار أيضاً، وسيبقى السيسي وسط النار.

التعليقات