كتاب 11

01:13 مساءً EET

اليسار في الشرق الأوسط

«خسرنا لأننا أهملنا الدين». هذا ما قاله سارب كوراي، مؤسس اتحاد الشباب التركي أحد أشهر الجماعات اليسارية في تركيا، الذي يقبع في السجن. استطرد كوراي قائلا: «مع تنامي الماوية في السبعينات، فقدنا ارتباطنا بتراث هذه الأرض. ووقعنا في خطأ التعبير عن أنفسنا عن طريق ماو وتشي: تلك هي مشكلة اليسار التركي».

هذا تحليل مهم ويجب أن يفكر فيه اليساريون. ليس فقط في تركيا، ولكن في جميع أنحاء الشرق الأوسط. تذكر أن الحكومات التي وصلت إلى السلطة في أعقاب انهيار الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط كانت يسارية الرؤية. وتم استخدام تكتيكات متنوعة بجعل الناس تنسى الإسلام على أرض الإسلام. كانت الأنظمة البعثية تمارس تكتيك التحدث عن الدين، ولكن مع تطبيق المبادئ اليسارية. ولعل الثورة الإسلامية الإيرانية أكبر نموذج لهذا التكتيك؛ إذ تم تقديم النظام الذي وصل إلى السلطة عن طريق الثورة في صورة الدين المحافظ شديد القيود. كان هذا القناع مقنعا لدرجة أن أحدا لم يلاحظ التحالفات الماركسية التي تتم من ورائه.
أراد البريطانيون والفرنسيون الذين حولوا المجتمعات الباقية بعد الإمبراطورية العثمانية إلى شعوب مختلفة من خلال وضع حدود بينها أن يؤثروا أيضا على تلك الشعوب. كان الهدف هو حرمان أراضي المسلمين من النموذج المثالي، وأن تصبح سهلة التقسيم وقابلة للاستغلال. كان الشرط الأول هو التخلص من التأثير الموحد للدين. إذا كان من الممكن التخلص من القيم الروحية التي وحدت الإمبراطورية العثمانية، سيصبح من الأسهل استغلال الشرق الأوسط. حاولوا فعل ذلك على مدار أعوام وحققوا فيه نسبة من النجاح، ولكن كان الشرق الأوسط المتدين دائما ما يثور.
كذلك يخطئ اليساريون الذين يحاولون فعل الشيء ذاته في الشرق الأوسط في الوقت الحالي. لا يمكن التفكير في أن يكون الشرق الأوسط مستقلا عن الدين؛ إن الدين هو شريان الحياة في الشرق الأوسط والسبب في وجوده. لم ينجح مطلقا أي نظام عمل على تهميش الدين أو رأى فيه تهديدا أو «رجعية». لم يستوعبوا بما يكفي ما كان يحدث في العالم، ولم يدركوا ما يحتاج إليه الناس. لم يفهموا مطلقا ماذا تريد الحركات الإسلامية، ولا الأسباب التي أدت إلى الراديكالية. لقد أنتجوا عالما باردا بلا روح مأخوذا من الشرق الأوسط، ولكنه منفصل عنه.
لهذا السبب كان على اليسار التحول إلى الدين إذا كان يرغب في أن يكون قويا في الشرق الأوسط، وأن يصبح له صوت مسموع. على سبيل المثال، قد تعترف تركيا، وهي ساحة صراع مستمر بين اليمين واليسار منذ أعوام كثيرة، بهذا الأمر لأول مرة في تاريخها. تقدم حقيقة أن أكبر حزب في المعارضة، الذي رغم انتمائه إلى اليسار، اقترح مرشحا من اليمين في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الشهر المقبل، هذا دليل مهم على ذلك. وكانت معارضة هذا القرار التي أبدتها شريحة من أصحاب الرأي اليساري الراديكالي ضعيفة للغاية، وفي النهاية كان عليهم الاعتراف بهزيمتهم. إذا كان هناك درس مستفاد من الأعوام الـ68 الماضية، فهو أن الشعب التركي لن يمكن اليسار.
كان الأمل الأساسي للشعوب في الشرق الأوسط التي تطالب بتغيير الأنظمة والديكتاتورية من خلال الربيع العربي مشابها. المشكلة الحقيقية هي أنهم لا يعتقدون أن آمالهم لن يحققها القطاع المتدين في المجتمع. في الوقت ذاته، يخضع جزء من التيار اليميني لتأثير مفهوم ديني خاطئ بناء على أفكار متطرفة، كما أنه أصبح عاجزا عن تحسين ذاته فيما يتعلق بالفكر والجودة. يجعل هذا الانقسام من الصعب على اليسار النظر إلى الدين والمتدينين بطريقة إيجابية.
ولأقولها بوضوح: تعتمد التوقعات الآيديولوجية لليسار بالضرورة على العدالة الاجتماعية والديمقراطية؛ ويعتقد اليسار أنه لا يستطيع أن يجد تلك الأمور في الدين والمتدينين. بالفعل، لا يتردد بعض المتدينين في تبني موقف عدائي تجاه العلمانية والديمقراطية في تعبير عن معتقدات خاطئة وقعوا في براثنها. ولكن الديمقراطية جزء من الدين، بل هي أساسه.
العلمانية ضرورية لحماية الدين، والعدالة الاجتماعية قيمة أخلاقية يدرسها القرآن. وهكذا يكون الإسلام الحقيقي مصدرا للحرية الحقيقية والعدالة القوية والديمقراطية الصحيحة. وبناء على ذلك يمكن أن يلبي الدين بوضوح جميع المطالب الاجتماعية التي تكمن في صميم الفكر اليساري. يمكن ألا يحدث خلاف بين شخص متدين يؤمن بذلك، ويساري لا يقاوم هذه الحقيقة.
لم يعد للنموذج اليساري الذي يعارض الدين في الشرق الأوسط بما فيه تركيا أي مصداقية الآن. من المستحيل على النظام الذي يرغب في الديمقراطية في حد ذاتها، وفي الوقت ذاته يرفض الدين، أن يجد أي قبول في الشرق الأوسط. لذلك يجب أن يكون جميع اليساريين جزءا من الكيان الذي يعمل إلى جانب الدين والمتدينين. من المؤكد أنه سيكون من مصلحتهم العمل مع المتدينين من أجل المجتمع لتخليصه من الأفكار المتطرفة التي لا قيمة لها، ولتعريفه بالدين الحقيقي، نظرا لأن حماية الإسلام الصحيح ضرورية من أجل بناء نظام العدالة ذاته الذي دعوا إليه طويلا.

التعليقات