كتاب 11

01:09 مساءً EET

مسافة السكة… أي اتجاه؟

كانت صور شاحنات الجيش المصري تحمل أغذية وأدوية وتعبر الحدود في اتجاه قطاع غزة وتصريحات المسؤولين الفلسطينيين وهم يثمنون تلك الخطوة تملأ نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، ومعها صور أخرى لأعضاء في حركة «حماس» يحرقون صوراً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع علم إسرائيل ويرفعون شعار رابعة! التناقض نفسه حدث عند استنهاض «النخوة» لدى الجيش المصري بواسطة القيادي الحمساوي خالد مشعل من مقر إقامته في الدوحة بالتزامن مع هجوم على المؤسسة العسكرية المصرية بواسطة «حمساويين» آخرين لكن من داخل غزة!

أي موقف صعب تواجهه مصر الآن؟ فعليها أن تعمل لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي تحكمه «حماس» وهي تواجه في الوقت ذاته إرهاباً يضرب بنيتها التحتية وأهلها بواسطة جماعات وتنظيمات تلقى الدعم والتأييد من حماس!

أي «سكة» سيسير فيها السيسي ليجنب الشعب الفلسطيني جرائم إسرائيل، والشعب المصري عواقب ولاء «حماس» للإخوان؟ أي سياسة على مصر أن تتبعها وقد ترك بعضهم ما يجري لأهل غزة ونصب المؤتمرات والبيانات والقنوات والبرامج للهجوم على «تخاذل» مصر وليس للعمل على فضح العدوان أو من كانوا سبباً فيه؟

عموماً لن تتوقف المجازر الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني إلا بتوافق دولي ودور محوري مصري، تلك حقيقة بغض النظر عن موقف الذين يزايدون على مصر، الدولة أو الجيش، أو من يصطادون في مياه عكرة حتى لو على حساب جثث الفلسطينيين، ويتجاهلها هؤلاء الذين يتصورون أن «التسخين» سيفلح في دفع الجيش المصري إلى دخول مواجهة مع إسرائيل! صحيح أن مصر الرسمية والشعبية غاضبة من «حماس»، بل إن «حماس» وفقاً للقانون المصري هي منظمة إرهابية يحظر التعامل معها باعتبارها فرعاً لجماعة «الإخوان المسلمين» التي صنفها القضاء المصري كجماعة إرهابية، لكن الدور السياسي لمصر في المسألة الفلسطينية ليس اختياراً أو مجرد أداء واجب، ولا يمكن لمصر أن تنأى بنفسها عن فلسطين. وهذا الدور سيتأثر إذا غاب أو تأخر التحرك المصري لأن أطرافاً أخرى تسعى إلى الانتقاص من أي مكانة لمصر إقليمياً ودولياً، مثل قطر وتركيا. لكن المعضلة التي تواجه السيسي أن الفشل الديبلوماسي في الوصول إلى حل سيحسب عليه، بل وقد تستغله «حماس» للتشهير بمصر ورئيسها وجيشها.

أما عبارة «مسافة السكة» التي جاءت على لسان السيسي عندما رد على سؤال أثناء حملته الرئاسية عن موقفه إذا تعرضت دولة خليجية لخطر خارجي، فبعضهم يستغلونها للتهكم على أساس أن غزة أقرب لمصر جغرافيا من الخليج، خصوصاً في ظل حملة «الإخوان» ومناصريهم، والتي لا تبكي غياب الدور السياسي لمصر لوقف العدوان الإسرائيلي، بل ترفع السقف إلى حد المطالبة بدخول مصر حرباً ضد إسرائيل.

لم يقصد السيسي اتجاه المقامرين بأوطانهم والمتآمرين على وطنه، فالسكة كانت في اتجاه من ساندوا مصر في محنتها إذا تعرضوا لأخطار. هناك قدر كبير من التعقيدات يواجه مصر الرسمية، خصوصاً أن أخطاء «الإخوان» وتصرفات «حماس» جعلت فئة غير قليلة من المصريين تطالب أصلاً بالانتقام من «حماس» وليس مساندتها.

في مصر أيضاً من يشكك في مؤامرة تحاك لتوريط الجيش المصري في مواجهة مع إسرائيل تمكن «إخوان» الداخل من الانقضاض على الحكم، وآخرون يرجحون أن يكون الهدف حرق غزة، وبالتالي الضغط على مصر لفتح الحدود وإقامة معسكرات للاجئين تتحول مراكز وبؤر تولد منها «داعش» المصرية الجديدة. إنسانياً لا أحد يملك أن يقبل بما يحدث في غزة، واعتراض القيادة المصرية على الجرائم الإسرائيلية مسألة بديهية، لكن تكرار فعل يؤدي إلى رد فعل تكون نتيجته بحور من دماء الفلسطينيين مسألة مثيرة للاستغراب. ومهما كان الرعب الذي يصيب الإسرائيليين جراء صواريخ «حماس» فإن تأثيرها واقعياً يشبه شماريخ مشجعي كرة القدم، ورد فعل إسرائيل يدفع ثمنه العزل والبسطاء شيوخاً وأطفالاً ورجالاً ونساءً من أبناء الشعب الفلسطيني، بينما قادة «حماس» على الشاشات دائماً، أو في فنادق الدوحة غالباً.

التعليقات