مصر الكبرى

09:23 صباحًا EET

الربيع العربي في الانتخابات الأميركية

كان من شأن تزامن التداعيات السلبية لأزمة الفيلم المسيء للرسـول مع انطلاق ماراثون الانتخابات الرئاسية الأميركية، حمل الإدارة الديموقراطية على التوقف ومراجعة حساباتها في ما يخص التعاطي مع رياح التغيير التي تجتاح العالم العربي منذ قرابة عامين، توخياً لإعادة تكييف أوضاعها بما يعزز موقف أوباما التنافسي في مواجهة منافسه الجمهوري ميت رومني، على الأقل مرحلياً إلى حين تتضح ملامح المشهدين السياسيين في واشنطن والقاهرة في شكل نهائي بعد أن تضع الانتخابات الأميركية أوزارها، وتكتمل مؤسسات ومعالم الجمهورية الثانية في مصر بحلول العام المقبل.

وفي تحول هو إلى رد الفعل أقرب، مالت إدارة أوباما إلى تبني نهج أكثر صرامة حيال أنظمة الحكم الجديدة في دول الربيع العربي بغرض استرضاء الناخب الأميركي. وبدا ذلك جلياً في محادثات أوباما الهاتفية غير الودية مع قادتها، وتهديدات إدارته بإجراءات عقابية، وإرساله قوات أميركية إلى البلدان العربية التي تعرضت سفارات بلاده فيها للاعتداء، وتعزيز التعاون الاستخباراتي وتشكيل لجان تحقيق أميركية مشتركة مع هذه الدول لتوقيف ومحاكمة المتورطين في الاعتداء على السفارات الأميركية وتصفية العناصر المتطرفة، والشروع مجدداً في عملية إعادة فرز وتصنيف للحركات والتيارات الإسلامية توطئة لفك الارتباط بين معتدليها ومتطرفيها.
بيد أن أخـطر التـداعيـات في هذا الصدد، كان تلويح مـسؤولين أميركيين بنـية إدارة أوبـاما مراجـعة مواقفـها إزاء ما يجري في سورية بعد الاعتداءات التي تعـرضـت لها الـسـفارات الأمـيركـيـة في الـمنطقة، مخافة أن يفضي سقوط النظام «الأسدي» إلى اتساع رقعة التربة العربية الخصبة المواتية لنمو التطرف والعداء لواشنطن ومصالحها وحلفائها.
وربما لا تنحصر خطورة أي تراجع أميركي محتمل بهذا الصدد في إمكان إجهاض ثورة الشعب السوري وتقويض آماله في الحرية والديموقراطية، أو تجميد مسيرة الربيع العربي والحيلولة دون تمدده واتساع نطاقه فحسب، وإنما أيضاً في احتمالات حدوث ردة أو انتكاسة في بعض الدول العربية التي بلغت مديات أبعد من سورية في التحول نحو الديموقراطية.
ولا يعني ذلك الطرح بالطبع ارتباطاً شرطياً بين نجاح عملية التحول الديموقراطي في العالم العربي والدعم الأميركي، بقدر ما يشي بمدى قوة معسكر الممانعة المتجسد في عناصر الثورة المضادة والدولة العميقة، فضلاً عن الثقافات والقيم غير المتناغمة مع هذا التحول، كما يبرز أهمية وجود حاضن وراع خارجي لعمليات التحول الديموقراطي المستعصية في دول العالم الثالث، على الأقل في أطوارها الجنينية، على نحو ما أفصحت عنه بجلاء تجارب وحالات عدة في بعض دول آسيا وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية.
ثمة عامل آخر يضاف إلى حزمة الدوافع التي ربما تحمل واشنطن على مراجعة حساباتها في شأن سورية وهو تنامي احتمالات لجوء نظام بشار الأسد إلى استخدام آخر وأهم ما بحوزته من أوراق لحمل المجتمع الدولي على التراجع عن إسقاطه، فقد يجنح لتوظيف الملف الإثني عبر منح الأكراد أراضي سورية على الحدود مع تركيا مقابل تصعيدهم العسكري ضد الأخيرة بغية حملها على وقف دعمها للجيش السوري الحر، وهو ما ينذر بتفجر المسألة الكردية في المنطقة ككل على نحو ربما يزيد الأمور تعقيداً إلى مستوى ينحو بالتفاعلات الإقليمية منحى لا يصب في مصلحة أحد بما في ذلك واشنطن.
ومن غير المستبعد أيضاً أن يلجأ النظام البعثي إلى استخدام ما بحوزته من أسلحة كيماوية وجرثومية كملاذ أخير. ونقلت صحيفة «التايمز» البريطانية عن اللواء السوري المنشق عدنان سلو، رئيس إدارة أركان الحرب الكيماوية السابق، أن نظام الأسد لن يتوانى عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضين والمدنيين كملاذ أخير. وفيما تكرر الحديث عن هذا الأمر خلال الأسابيع الماضية، ذكر تقرير لمجلة «در شبيغل» الألمانية، قبل أيام، أن نظام الأسد اختبر بالفعل قنابل تحوي غازات سامة.
وعلى رغم تلك المعطيات مجتمعة، لم يتمخض بعد الجدل الاستراتيجي الأميركي العاصف عن تبلور موقف نهائي حيال الاستمرار في دعم التحول الديموقراطي في دول الربيع العربي من عدمه. ويشار إلى أن كلفة تراجع واشنطن عن دعم هذا التحول ربما تكون أعلى بكثير من مضيها قدماً في هذا الدرب، ذلك أن أي تراجع في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة من الحراك الشعبي العربي قد يستتبع تهديداً حقيقياً لأمن المنطقة واستقرارها ينعكس سلباً على المصالح الأميركية فيها.
فإلى جانب نيله مما تبقى من صدقية الادعاءات الأميركية بالعمل على نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان حول العالم، سيكون بوسع مقايضة الأميركيين دمقرطة الدول العربية بمحاربة ما يسمى بالإرهاب فيها، أن تسفر، لا محالة، عن توسيع الهوة بين واشنطن ودول الربيع العربي، بما قد يؤلب شعوب وحكومات تلك الدول ضد كل ما هو أميركي في بلادها على غرار ما يجري في أفغانستان وباكستان.
وجلية بدأت تلوح في الأفق بوادر هذا الجفاء، فما كادت إدارة أوباما تزج بقوات من المارينز إلى ليبيا واليمن لحماية سفاراتها، مدعومة بطائرات حربية من دون طيار لملاحقة المتطرفين في هذين البلدين، حتى هرعت الفعاليات السياسية والشعبية هناك لرفض هذا الاختراق الفج لسيادتها والمطالبة برحيل تلك القوات الأجنبية فوراً، فيما تفاقمت تهديدات تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب وشمال أفريقيا باستهداف القوات والمصالح الأميركية في البلدين بعد أن اتخذت من الوجود العسكري الأميركي مسوغاً لاستقطاب وتجنيد أفواج جديدة من الشباب المناهض للسياسات الأميركية حيال المنطقة.

التعليقات