مصر الكبرى

04:58 مساءً EET

دولة غزة الشقيقة… دشنها الأمير

أثارت زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني إلى قطاع غزة المحاصر جدلا كبيرا بين العلمانيين واليساريين الفلسطينيين على مختلف أحزابهم، بعد أن استغلتها الآلة الدعائية لحركة "حماس" في لفت الأنظار على أنها "الزيارة التاريخية الأولى لزعيم عربي" إلى القطاع!.

لكن من يتتبع خيوط اللعبة "الإخوانية" الممثلة في حركة حماس يجد طرقاً وأدوات وأساليب كثيرة لتفسير "حجم الحفاوة والاستقبال والتطبيل" لأمير دولة عربية تثير الكثير من التساؤلات حول دورها في المنطقة العربية بعد ما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي".
إن حماس المنقسمة بين الداخل والخارج تريد تطبيق هدفها الأساسي – عمليا موجود على أرض الواقع – ألا وهو الإعلان الرسمي عن تدشين "كيانها المستقل" في غزة، علما أنه الهدف الرئيسي من "اقتتالها عام 2007" مع حركة فتح.
فزيارة الأمير القطري إلى القطاع تدخل في إطار "المزايدات السياسية" و"الحسابات الإخوانية"، باعتبار أن جماعة قطر تريد تثبيت هيمنتها في كل بقعة يسيطرون عليها سواء بطرق شرعية أو غير شرعية. ولهذا يعتبر الظهور بلباس الفاتح لأبواب غزة المحاصرة ليس سوى "شعارات فارغة وأكاذيب ودجل سياسي"، لأن سلطة الفعل الحقيقية بيد الاحتلال الإسرائيلي الذي يحارب ويقاتل ويهادن ويصالح وقتما حانت مصلحته.
إن ما يحلو للبعض بتسميته بالزيارة "التاريخية" للأمير الخليجي لا تبدو خارجة عن المألوف، بل كانت متوقعة منذ زمن. خاصة أن قطر متهمة بتمويل ودعم حركة حماس في "إقتتالها" مع حركة فتح في يونيو/حزيران عام 2007، ولا استغراب في كون الزيارة تأتي ضمن سياق "تعزيز السلطات" وإطلاق أولى مراحل تأسيس "دولة غزة الشقيقة".
ويضاف إلى ذلك أن الدوحة تبحث عن "تبييض وجهها" أمام الرأي العام العربي على وجه الخصوص، بعد أن تأثرت "سمعتها" كثيرا إثر دعمها "المستميت" لجماعات الإسلام السياسي في العالم العربي سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو عمليات ترسيخ "إخوانية الثورة السورية" ضد نظام بشار الأسد. لذلك تعتبر غزة المعبر الرئيسي للتقرب إلى تعاطف ملايين العرب…
صحيح أن أمير قطر ضخ أموالا بــ400 مليون دولار بهدف إعادة إعمار القطاع المدمر كلياً، لكنه تجاهل بتاتاً الحديث عن أسباب هذا الدمار، وأكتفى بتوجيه نصائح للفلسطينيين وقيادة حماس بقوله:" لما لا يقف الفلسطينيون موحدين أمام سلام عادل تقبل به إسرائيل أو تجبر عليه"!.
نذكر أنه في سبتمبر/أيلول عام 2005 مع خروج آخر جندي إسرائيلي من القطاع عولت الدولة العبرية كثيرا على "الاقتتال الداخلي الفلسطيني"، وانتشرت في تلك المرحلة "شعارات كثيرة صيغت في سياق: لن نتقاتل أبدا… نحن شعب واحد وأمة واحدة"، هذه الشعارات راهن على فشلها إرئييل شارون "رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق" في خطة "فك الارتباط" عن غزة، ونجح في ذلك ونال أكثر مما توقع، فالآن للفلسطينيين سلطتان وحكومتان ورئيسيين وشعب واحد يعاني تحت وطأة الاحتلال.
ومن يريد إيهام الشعب الفلسطيني بحلول "جزئية" لقضيته فهو واهم لأن هناك اعتقادا راسخاً بأن الحلول الجزئية لا تنفع أمام دولة احتلال لا تفهم إلا لغة واحدة وأسلوبا واحدا.
عمليات "التهليل الكبيرة" لزيارة الأمير القطري لن تغير شيئا من الواقع المرير المعاش لنحو 1.7 مليون نسمة بمن فيهم قادة وعناصر وأنصار حركة حماس الذين اصطفوا بالشوارع مرددين عبارات "الشكر والوجل لقطر لجرأتها على كسر الحصار"!.نسأل هؤلاء الذين يتغنّون بانتصار "الإرادة" بزيارة "سمو الأمير": ماذا فعلت قطر والعرب عموما في حرب غزة عام 2008؟، حين سقط نحو 1400 شهيدا فلسطينيا في معركة لم يبدؤوها أبداً، أم أن مهمتها الآن إعمار الخراب الإسرائيلي، مع العلم أن القطاع المحاصر شهد أكثر الأوقات هدوءا في تاريخه خلال الساعات التي قضاها أمير قطر فيه، وتمنى الكثيرون أن يبقى "الأمير" في حضرتهم كي يبتعد شبح القذائف الإسرائيلية!.
ولنكن أكثر صراحة مع أنفسنا حين نصوغ "قصص المعاناة والاضطهاد"، ولا نستنسخ "مسلسلات الدراما الإخوانية" التي مل منها أهل غزة طوال السنوات الماضية منذ أن سيطرت حركة حماس بـ"قوة السلاح" على مجريات الأمور في القطاع. ولو سألت أي مواطن غزي عن رأيه في سلطة حماس لقال: "إنها لا تختلف عن سابقاتها".
إذاً لماذا يلجأ المدافعون عن هذه الزيارة إلى "تخوين" من عارضها خاصة أنها تهدف إلى "تعميق الانقسام الفلسطيني وتأسيس كيان مستقل"؟؟.
إن المتتبع لتعامل الدولة القطرية مع الانقسام الفلسطيني على وجه الخصوص، يستطيع بكل سهولة قراءة استراتيجيات سياسة الدوحة في التعامل مع "الثورات العربية" التي أطاحت بالدرجة الأولى بزعماء بلدان "لا تعتبر علاقاتهم طيبة مع الأمير حمد".
فمثلا عندما نعود إلى الوراء قليلا وتحديدا بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 والخلافات التي نشبت مع حركة فتح وعمليات التحريض على سلطة الرئيس محمود عباس فإننا نجدها تستخدم وسيلتها الإعلامية قناة "الجزيرة"، والشيخ يوسف القرضاوي في تنفيذ رؤيتها أو أجندة حلفاؤها في المنطقة.
وكان القرضاوي، الذي أصدر عدة فتاوى للتخلص من زعماء عرب، قد دعا في فتوى دينية سياسية قبل اندلاع الاقتتال الشهير بين فتح وحماس، إلى "وجوب مقاتلة من يقف في طريق الحركة الإسلامية، وخاصة المنافقين من حركة فتح" "الأمر تكرر في مصر وليبيا واليمن وسوريا"، مع أنه في تلك الأوقات كان في الإمكان الدخول في مصالحة دون التورط بحمام دم قطع جميع الروابط الاجتماعية والأسرية والنفسية بين أكبر فصليين على الساحة الفلسطينية وراح ضحيته أبناء غزة.
لا شك في أن زيارة أمير قطر إلى غزة تعزز من سلطة حماس وتعطيها دافعاً قوياً لعدم الالتفات إلى "المصالحة الداخلية"، وأن كانت جميع كلمات الأمير القطري تدعو إلى "المصالحة" فإن الجميع يعلم أنه لا يمكن إصلاح ما تم تخريبه طوال السنوات الماضية بسواعد وهمم حماس وبمباركة الدوحة التي دشن أميرها "دولة غزة الشقيقة".

التعليقات